قال الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى، ما يواجهه العالم من تحديات متزايدة لتوفير إحتياجات المياه وضمان إستدامتها ، وذلك مع إستمرار التطور الإنساني والنمو السكاني المتزايد ، وأنه وفي إطار الجهود المتضافرة لمواجهة تلك التحديات ، فإنه من الضروري عدم التعامل مع المياه وكأنها سلعة إقتصادية ، فالمياه كالهواء ، لا غنى عنها للبقاء الإنساني ، ومن ثم تصبح المياه شرطاً مُسبقا لضمان حق الإنسان في الحياة ، وبالتبعية سائر حقوق الإنسان ، مشيراً إلى أن تغير المناخ أضاف مزيداً من التعقيدات التي تواجه مساعي توفير المياه وضمان استدامتها ، ويترتب على ذلك تحديات إضافية أمام الأمن الغذائي ، وهو ما يبرز على وجه خاص في المناطق القاحلة والتي تعاني ندرة مائية.
وجاء ذلك خلال مشاركته في الجلسة الحوارية “المياه والتنمية المستدامة”، ضمن فعاليات “مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة” بنيويورك .
وتابع الدكتور هانى سويلم: ولعل مصر خير مثال للدول التي تعاني من هذه التحديات المُرَكَّبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية ، فمصر هي دولة المصب الأخيرة بنهر النيل ، ومن ثم فهي لا تتأثر فحسب بالتغيرات المناخية التي تجري في حدودها ، وإنما عبر سائر دول حوض النيل بأسره.
واوضح وزير الري: أن مصر تعاني من وضعية ندرة مائية فريدة من نوعها دولياً ، فمن ناحية تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة بإعتبارها الدولة الأقل على الإطلاق من حيث معدل الأمطار بين كافة دول العالم ، ومن ناحية أخرى يبلغ نصيب الفرد من المياه سنوياً نصف حد الفقر المائي.
وأكمل وزير الري: تعتمد مصر بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة ٩٨% على الأقل لمواردها المائية المتجددة ، وهي الموارد التي يذهب ما لا يقل عن ٧٥% منها للإسهام في إستيفاء الإحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي ، علما بأن قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من ٥٠% من السكان ، وأخذاً في الإعتبار أن مصر لديها عجز مائي يصل إلى ٥٥% من إحتياجاتها المائية التي تبلغ ١٢٠ مليار متر مكعب ، فإن مصر تقوم بإستثمارات هائلة لرفع كفاءة منظومة المياه لديها تعدت الـ ١٠ مليار دولار خلال الخطة الخمسية السابقة ، كما تقوم بإعادة إستخدام المياه عدة مرات في هذا الإطار ، وتضطر لإستيراد واردات غذائية هائلة بقيمة حوالي ١٥ مليار دولار.
وأشار إلى أن وجود تعاون مائي فعَّال عابر للحدود يُعد بالنسبة لمصر أمراً وجودياً لا غنى عنه ، ولكي يكون مثل هذا التعاون ناجعاً فإن ذلك يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى “الحوض” بإعتباره وحدة متكاملة ، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء ، كما يتطلب ذلك مراعاة الإلتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق ، لا سيما مبدأ التعاون والتشاور بناء على دراسات وافية ، وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الإستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الإضرار ما أمكن.
وتابع الوزير : اتصالاً بذلك ، تبرز أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة ، والتي يُعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه منذ أكثر من ١٢ عام على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة ، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي ، وهى الممارسات الأحادية غير التعاونية التي تشكل خرقاً للقانون الدولي بما في ذلك إتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام ٢٠١٥ ، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام ٢٠٢١ ، كما يمكن أن يشكل إستمرارها خطراً وجودياً على ١٥٠ مليون مواطن ، فالبرغم مما يتردد من أن السدود الكهرومائية لا يمكنها أن تشكل ضرراً ، لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية في تشغيل هذا السد المبالغ في حجمه يمكن أن يكون لها تأثير كارثي ، ففي حالة إستمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل ، وفقدان ما يقرب من ١٥ % من الرقعة الزراعية في مصر ، بما يترتب على ذلك من مخاطر ازدياد التوترات الإجتماعية والإقتصادية وتفاقم الهجرة غير الشرعية ، كما يمكن أن تؤدي تلك الممارسات إلى مضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية.
واضاف وزير الري :مع تمسك مصر بروح التعاون والتشاور البناء فيما بين الدول المتشاركة لموارد مائية عابرة للحدود ، فإنها تؤكد على ضرورة عدم الإنجراف إلى إيلاء الأولوية لمكاسب طرف بعينه على حساب خسارة الآخرين ، حيث لن يكون من شأن ذلك إلا تقاسم الفقر بما قد ينجم عن ذلك من توترات ، في حين أن إيلاء الأولوية للتعاون السليم بحسن نية يمكن أن يُفضي بنا وبسهولة إلى تعظيم المكاسب ، ومن ثم تقاسم الرخاء والإزدهار للجميع.
وأكد أن مصر تعمل في إطار إستراتيجيتها التعاونية على تعظيم المكاسب الممكنة من الترابط ما بين موضوعات المياه والغذاء والطاقة والمناخ ، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.
Discussion about this post