مع تفشي فيروس كورونا المُستجد حول العالم منذ نهاية العام 2019، وإصابته لأكثر من 27 مليون شخص، أصحبت هناك حاجة مُلحة إلى التوصل إلى لقاح آمن وفعال لمواجهة العدوى بفيروس كورونا، وهو ما أدى إلى القيام بالعديد من الأبحاث والتجارب العلمية في كبرى شركات الأدوية ومراكز الأبحاث والجامعات العالمية، للتوصل إلى لقاح سريع للفيروس التاجي.
ومع هذه السرعة في إجراء التجارب للتوصل إلى لقاح، قد ينعدم أو يقل عنصر “الأمان” في هذا اللقاح، لذا حذر خبراء اللقاحات الحكومة الفيدرالية الأمريكية من التسرع في استخدام لقاح ضد فيروس كورونا قبل أن تظهر الاختبارات أنه آمن وفعال، بحسب CNN.
وازداد قلق خبراء اللقاحات من أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد تتحرك بسرعة كبيرة، عندما صرح مفوض إدارة الغذاء والدواء، الدكتور ستيفن هان، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن الإدارة يمكنها أن تفكر في الحصول على ترخيص استخدام طارئ للقاح ضد “كوفيد-19″، قبل اكتمال التجارب السريرية في المرحلة المتأخرة، في حال أظهرت البيانات أدلة قوية بما يكفي من شأنها حماية الناس.
ويملك هذا المفوض سلطة السماح باستخدام المنتجات الطبية غير المعتمدة في حالات الطوارئ عندما لا تتوفر بدائل مناسبة أو معتمدة، وهذا ما حدث في سيناريو عقار الهيدروكسي كلوروكين والكلوروكين، حينما منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيص الاستخدم الطارئ للعقارين في 28 مارس الماضي، ولكن تم إلغاء هذا الترخيص في شهر يونيو الماضي، بعد أن أظهرت الدراسات عدم فعالية العقارين وتسببهما بمشاكل خطيرة في القلب.
أخطاء كارثية في لقاحات سابقة بسبب السرعة في إجراء التجارب
ولحين الحصول على الموافقة على لقاح فعال وآمن لفيروس كورونا من قبل إدارة الغذاء والدواء، يجب على العلماء جمع بيانات كافية، من خلال التجارب السريرية بأعداد كبيرة من المتطوعين لإثبات أنه آمن وفعال في حماية الناس من المرض، وبمجرد جمع البيانات، عادةً ما يقضي مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية شهوراً في التفكير في منح الموافقة.
لذلك، يعد منح ترخيص الاستخدام الطارئ عملية أسرع بكثير، وقد حدثت مرة واحدة فقط من قبل عندما أعطت إدارة الغذاء والدواء لقاحاً بهذه الموافقة الأقل قياسية على الاستخدام الطارئ، ولكنها كانت في ظروف غير عادية، وحينها رفع الجنود دعوى قضائية، زاعمين أن لقاح الجمرة الخبيثة الإلزامي جعلهم مرضى، فأوقف القاضي برنامج اللقاح، وطلبت وزارة الدفاع ترخيصاً طارئاً تجاوز بعد ذلك حكم المحكمة في عام 2005، حتى تتمكن من مواصلة إعطاء اللقاح للأفراد العسكريين، على أساس تطوعي.
وخلافاً لذلك، يجب أن تمر اللقاحات على عملية التجربة السريرية بأكملها، إضافة إلى الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء، والتي قد تستغرق شهوراً أو سنوات.
تجارب كارثية مماثلة في لقاح شلل الأطفال
في 12 أبريل من العام 1955، أعلنت الحكومة الأمريكية عن أول لقاح لحماية الأطفال من شلل الأطفال، وفي غضون أيام، أصدرت المعامل آلاف من جرعات اللقاح، واحتوت دفعات من إنتاج شركة واحدة “Cutter Labs”، عن طريق الخطأ على فيروس شلل الأطفال الحي، مما تسبب في تفشي المرض.
وحصل أكثر من 200 ألف طفل على لقاح شلل الأطفال، ولكن في غضون أيام اضطرت الحكومة الأمريكية إلى التخلي عن البرنامج.
وقال الدكتور هوارد ماركيل، طبيب الأطفال ومدير مركز تاريخ الطب في جامعة ميشيجان، إن أربعين ألف طفل أصيبوا بمرض شلل الأطفال، وكان لدى بعضهم مستويات منخفضة من المرض، وأصيب بضع مئات بالشلل، وتوفي منهم حوالي 10!
لذلك علّقت الحكومة الأمريكية برنامج التطعيم حتى تتمكن من تحديد الخطأ الذي حدث، ومع ذلك، فشلت الرقابة المتزايدة في اكتشاف مشكلة أخرى مع لقاح شلل الأطفال.
ومن عام 1955 حتى عام 1963، كان ما بين نسبة 10% و30% من لقاحات شلل الأطفال ملوثة بالفيروس القردي 40، “SV40”.
وقال عالم الأنثروبولوجيا الطبية لوشلان جين إن الطريقة التي استعملوها لزراعة فيروس اللقاح كانت على أنسجة القرود، وتم استيراد عشرات الآلاف من قرود المكاك الريسوسية من الهند، وكانت هذه القرود محبوسة معاً في أقفاص، وفي هذه الظروف أصيب العديد منها بالمرض وانتشرت الفيروسات بسرعة، ولكن اعتقد العلماء خطأً أن مادة “الفورمالديهايد” التي استخدموها ستقتل الفيروس!
وقال عالم الأنثروبولوجيا الطبية، لوشلات جين، معلقاً على هذه الواقعة: “لقد تم نقل العدوى إلى ملايين الأمريكيين”.
ويعتقد الكثيرون أن هذه القضية لم تتم متابعتها بشكل كافٍ، فيما أظهرت بعض الدراسات وجود صلة محتملة بين الفيروس والسرطان، وعلى الرغم من ذلك، قال موقع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض، إن معظم الدراسات “مطمئنة “ولا تجد أي رابط.
ولا توجد لقاحات حالية تحتوي على فيروس “SV40″، بحسب ما ذكرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كما لا يوجد دليل على أن التلوث أضر بأي شخص.
لماذا عدم الثقة في النظام يجعل التعجيل بطرح لقاح سريع “فكرة غبية”؟
قال الدكتور ماركيل إن عدم ثقة الناس في النظام يجعل من فكرة إدارة الغذاء والدواء في تسريع عملية الموافقة على اللقاح قبل أن تكتمل التجارب السريرية في المراحل المتأخرة “غبية للغاية”.
وقال ماركيل: “كل ما يتطلبه الأمر هو أحد الآثار الجانبية السيئة لفشل برنامج لقاح نحتاجه بشدة ضد هذا الفيروس” مضيفاً أن الأمر أشبه بوصفة طبية لكارثة.
وأكد مفوض إدارة الغذاء والدواء، إن قرار اللقاح سوف يستند إلى البيانات وليس السياسة.
من جانبه، قال كينش، وهو مريض يشارك في إحدى تجارب اللقاح، إن عملية التجربة السريرية يجب اتباعها حتى النهاية، وقد يؤدي الاستخدام الطارئ المبكر للقاح ما إلى “سيناريو مرعب” لعدة أسباب.
أولاً: قد لا يكون اللقاح آمناً.
ثانياً: إذا لم تكن اللقاحات آمنة، سيفقد الناس الثقة في اللقاحات.
وثالثاً: إذا كان اللقاح لا يوفر حماية كاملة، فسيكون لدى الناس شعوراً زائفاً بالأمان ويزيد بالتالي من المخاطر.
رابعاً: إذا حصل لقاح دون المستوى على ترخيص استخدام طارئ، فقد لا يحصل اللقاح الأفضل على الموافقة أبداً، لأن الناس سيترددون في التسجيل للمشاركة في التجارب ويخاطرون بالحصول على دواء وهمي بدلاً من اللقاح.
وأضاف كينش :”سيموت الناس دون داع إذا جازفنا بذلك، لذا علينا أن نعي هذا بشكل صحيح”.
Discussion about this post