أجمل ليلة في حياتي قضيتها مع عبدالوهاب مطاوع في ضيافة أم كلثوم وبيرم التونسي وزكريا أحمد
نجيب المستكاوي قال لي “لو كان عبد الوهاب مطاوع أفضل منك في تحليل شخصيات اللاعبين.. ابحث عن موضوعات أخرى تكتبها أفضل منه”
اشترطت الجمع بين ” بريد الجمعة ” و”تحقيق السبت” بعد وفاة عبد الوهاب مطاوع .. لكن إبراهيم نافع رفض
محمد حسنين هيكل تحول إلى مدرب في مباراة كرة قدم بين الأهرام وأخبار اليوم.. ونجحت في تسجيل هدف الفوز
كتبت تحقيقاً عن قرية تعيش فيها 356 سيدة وسط 14 رجلاً فقط .. وعندما عدت رفض مدير التحرير نشره وقال لي: أكتب زي زمايلك!
صلاح هلال أستاذي.. وصلاح منتصر منحني الفرصة… وسناء البيسي عيبها إنها “مبتتكلمش”!
تعلمت الكتابة بعد علقة ساخنة بسبب حب بنت الجيران.. وكارنيه مجلة “علي بابا” أعظم وسام في حياتي
لن أنسى تحقيقاً صحفياً كتبته عن الفلاح المقيم في لوكاندة “نوم العوافي لصاحبها عبد الشافي”
لم أكتب نهائياً في مجلة “الشباب” بسبب اتفاقي مع عبدالوهاب مطاوع بألا يقترب كل منا للآخر
أول راتب لي 34 جنيها.. وقررت من البداية أن أكتب للغلبان في الشارع
إذا كان الراحل عبد الوهاب مطاوع هو رائد الصحافة الإنسانية التي تستمد تفاصيلها من حكايات الناس المقروءة عبر رسائلهم في بريد الجمعة ، فإن عزت السعدني بلا جدال هو رائد هذه الصحافة المسموعة من أصحابها بالشارع، فقد عاش الاثنان طوال نحو 45 عاماً أصدقاء عمر لا يفترقان وزملاء مهنة يتنافسان بشرف، وكان همهما الأول هو نبض الناس والعيش وسط آلامهم وأحلامهم اليومية، ورسما معاً لوحة متكاملة شارحة لملامح مجتمعنا على مدى أجيال، ورصدا بدايات ظواهر أصبح بعضها اليوم “آفات خطيرة”، ومن يطالع أرشيفهما يجدهما منذ نهاية الخمسينيات يحذران من التحرش والعنوسة والإدمان والتفكك الأسري، وبينما تمر ذكرى وفاة أستاذنا الراحل عبد الوهاب مطاوع هذا الشهر السادسة عشر قررنا العودة لرفيق مشواره الكاتب عزت السعدني ليروى لنا حكاياتهما مع الزمن.
*في أغسطس 1977 صدرت مجلة “الشباب”، وبعدها بـ10 سنوات تولي تحريرها عبد الوهاب مطاوع ، وفي أغسطس 2004 توفي، كيف بدأت علاقتك به؟!
عبد الوهاب مطاوع كان قطعة مني وأنا قطعة منه، كان يعيش في شقة بالمنيل بمفرده في بداية حياته الصحفية وأنا أجيء كل يوم من القناطر بالقطار، وعشت معه أياماً كثيرة عندما كان الوقت يتأخر بي خلال العمل، وقد بدأت عملي بالأهرام عام 1959 وهو جاء قبلي بعام حينما كان يدرس الصحافة بكلية الآداب، أما أنا فجئت بعد التخرج، وكنا متقاربين في السن والاهتمامات، و الصحافة أيامنا كان أساسها الموهبة وأن تكون صاحب فكر وأسلوب ومبدأ، وكنا نتنافس في تحقيقات الصحافة الإنسانية، هو كان يميل للتحقيق القصير المباشر الذي يتناول حادثة بعينها.. وأنا عشقت التحقيقات الكبيرة التي تعبر عن ظواهر اجتماعية عامة، وعملنا معاً سلسلة تحقيقات ضمن حملات صحفية تناولت مشاكل ارتفاع الأسعار وهموم طلاب الجامعة وزرنا كل مكان في مصر من قبل حتي التعيين رسمياً بالأهرام، وبمرور السنين توطدت علاقتنا خاصة مع مجيء الأستاذ صلاح هلال أفضل رئيس قسم تحقيقات في تاريخ الصحافة المصرية، ثم توليت أنا رئاسة القسم وسافر عبد الوهاب مطاوع للعمل بالخليج لفترة، وعندما عاد بدأ يحفر لنفسه مكانة خاصة بعيداً عن الجميع من خلال بابه الشهير ” بريد الجمعة ” والذي كان مدخله العظيم الذي أوصله لقمة الهرم الصحفي، وفي كل مشواره كان سلاحه الوحيد هو موهبته وإيمانه بالتواصل الإنساني والحياة مع هموم الناس.
*الأيام الأولى في المهنة.. كيف كانت وسط عمالقة من الصحفيين الكبار وقتها؟!
العمر بالنسبة لي محطات كل منها مرتبطة بما قبلها، فأنا تعلمت الكتابة أصلاً وأنا طالب بسبب قصة حب مع بنت ناظر المحطة في القناطر، وبسببها أمسكت القلم وكتبت الشعر، ووالدي كان مهندس ري ووفدي قديم ومتعصب ويشتري يوميا جريدتي الأهرام والمصري وبالتالي اعتدت قراءة الصحف منذ صغري، وعندما بدأت مشواري بالأهرام مع 5 من زملائي من خريجي آداب قسم صحافة طلب منا الأستاذ توفيق بحري أن ننزل المطبعة.. وظللنا هناك 3 أشهر مع العمال لنتعلم كيف تصنع الصحافة ، وقتها كانت معنا د. جيهان رشدي والتي لم تستمر بالعمل وحاولت إقناعي بالتعيين معها كمعيد بالجامعة و لكنني رفضت لعشقي للصحافة، كنت أسافر من بيتي بالقناطر يومياً في قطار 7 صباحاً وأعود للبيت في آخر قطار الساعة 11 ونصف مساء.. وطوال اليوم أتعلم وافهم واقرأ، ثم بدأت عمل تحقيقات صحفية نالت إشادة الجميع.
أذكر مرة كتبت تحقيقاً عن اكتشاف هرم كبير في سقارة، فجاء صحفي كبير – بدون ذكر أسماء – وكان متضايقا من هذا المتدرب الذي ينشرون له صفحة كاملة، فاتصل برئيس هيئة الآثار وقتها وأقنعه بإرسال تكذيب لكل ما جاء بالتحقيق لأنني لم أستعن برأي خبير متخصص، وبالفعل أمر الأستاذ محمد حسنين هيكل بعدم نشر الحلقة الثانية من التحقيق، وبدأ الكل يتهامس بأنني “كاذب”، فذهبت إلي مكتب الأستاذ هيكل ومعي ملف كامل بكل الأوراق التاريخية والوثائق التي اعتمدت عليها وطلبت من نوال المحلاوي مديرة مكتبه مقابلته، وبمجرد أن شاهدته قلت له إنني لن أتكلم.. لكن الورق هو الذي سيتكلم، فنظر لي طويلاً ثم قال: “أنا مصدقك” ورفع سماعة التليفون وأمر بنشر الحلقة الثانية، وبعدها بفترة قابلته علي سلم مبني الأهرام القديم بشارع مظلوم في باب اللوق وسألني: “أنت لسه متعينتش يا عزت”، فقلت له لا، فنظر بجانبه للأستاذ علي حمدي الجمال مدير التحرير وقال له “عينوه فوراً”، وكان أول راتب لي 34 جنيهاً وهو مبلغ كبير أيامها.
*كيف تعلمت دروس الصحافة بشكل عملي من خلال ممارسة المهنة في الشارع وبين الناس؟!
زرت قرية اسمها منشية المعصرة بأسيوط تقريباً كل سكانها من النساء فقط، وكانت البداية مكالمة تليفونية من د. سيد عويس رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الأسبق وأخبرني عن قرية قتل الثأر كل رجالها.. فيما عدا 14 رجلا فقط وهم العمدة وعامل التليفون وشيخ الخفراء و2 من الخفراء و3 شيوخ تعدوا الستين و6 مزارعين، بينما تعيش بها 356 سيدة، وحصلت من الأهرام علي 10 جنيهات بدل سفر وذهبت وعلي كتفي كاميرا رولكس قديمة مع دعوات الصديقين عبد الوهاب مطاوع و محمد زايد، وقمت بمغامرة صعبة مليئة بالخوف والتفاصيل العجيبة، وعندما عدت رفضوا أن ينشروه في الأهرام وقال لي نجيب كنعان مدير التحرير أيامها: هو أنت يا بني فاكر نفسك محمد التابعي .. اكتب زي زمايلك وعلي قدك! أما أستاذنا صلاح هلال فعلمني درساً وقال لي إنه يجب كتابة التحقيق بشكل صحفي وليس قصة سينمائية أقوم فيها بدور البطل، وكان هذا أول درس لي في التحقيق الصحفي، وطوال الوقت كنت أتعلم من الكبار، وكانت علاقتي أنا و عبد الوهاب مطاوع رائعة بالأستاذ نجيب المستكاوي الناقد الرياضي العظيم، وبعدما أثبتنا أنفسنا في التحقيقات بدأنا في عمل حوارات رياضية.. عبد الوهاب كان زملكاوي متعصب وأنا أهلاوي متعصب، هو اشتهر بحواراته مع حمادة إمام وعصام بهيج وغيرهما وأنا حاورت معظم نجوم الأهلي أيامها مثل صالح سليم وميمي الشربيني، وبعد سنوات كان عبد الوهاب يكتب قصصاً إنسانية عن اللاعبين وأنا أجريت حواراً مع علي أبو جريشة، ومرة كنت أجلس مع المستكاوي في حديقة نادي الزمالك في حضور الكابتن محمد لطيف وقال لي “قل الحق ولو علي نفسك، يعني لو لقيت زميلك عبد الوهاب مطاوع أفضل منك في تحليل شخصيات اللاعبين كما فعل مع مصطفي رياض وحسن الشاذلي، اتركه يكتب وابحث لك عن مواضيع أخري يستطيع قلمك أن يكتبها أفضل منه. ولا تزاحمه في مجال هو تفوق فيه أصلا! ” فقلت له ضاحكا: أنا لم أزاحمه أبدا في تحليل الشخصيات الرياضية المشهورة، ولكن علي أبو جريشة صديقي وجاء بنفسه إلي مكتبي في الأهرام.. فهل أتركه يذهب ولا أجري معه أى حوار ؟، فتدخل في الحوار لأول مرة الكابتن لطيف موجها كلامه لعمنا نجيب المستكاوي وقال: إيه يا عم نجيب رزق وجه عنده يسيبه ويدور وشه الناحية التانية؟! فرد المستكاوي: طبعا مايفوتش الفرصة دي لكن مايزودهاش حبتين ويكوش علي باقي اللعيبة زي صالح سليم والفناجيلي وعبده نصحي وسمير قطب ! فرد الكابتن لطيف نيابة عني: يا سيدي يقسموا تورتة اللعيبة بينهما كل واحد ياخد المجموعة اللي عارفها ! ولا أنسي نصيحة قال لنا المستكاوي زمان “إذا أردتم أن تجروا حديثا مع نجم من نجوم الكرة لا تدعوه يعزمكم علي غداء أو تقبلوا منه أي هدية.. فالصحفي الحر لا يقبل العزومات لأننا لا نعرف ما وراءها”.
*صف لي تفاصيل يوما عشته بالأهرام في أواخر الخمسينيات.. نحن نتكلم عن صحفي صغير يعمل مع رئيس التحرير محمد حسنين هيكل ورئيس قسم التحقيقات صلاح منتصر؟!
كنت أحضر للجريدة الساعة 7 صباحاً لتحضير أفكاري وقراءة كل صحف الأمس، ثم يأتي الأستاذ هيكل في اجتماع مع هيئة التحرير الساعة 9 صباحاً بالتمام، نحن كنا نجلس بعيداً عنهم لكن نستمع لهم ونتعلم، ومع نهاية الاجتماع يتم توزيع المهام وننطلق لنلحق موعد الطباعة، ولا أنسي يوماً قال الأستاذ هيكل إنه يريدنا الاهتمام أكثر بتفاصيل حياة المصريين البسطاء، واقترح علي النزول لمحطة قطارات باب الحديد برمسيس وهناك ربما أجد شيئاً يستحق النشر من بين وجوه القادمين من الأقاليم بالقطار، وبالفعل نزلت مع محمد يوسف كبير مصوري الأهرام، وبينما كنت أتلفت بحثاً عن فكرة للبداية وجدت محمد يوسف يقوم بتصوير رجل عجوز يحمل “قفة” علي رأسه، فذهبت للرجل وتكلمت معه، وروي لي أن أولاده استولوا على أرضه وثروته وفجأة أصبح فقيراً ومعدماً، فقرر أن يركب القطار ويأتي للقاهرة ليتوه وسط زحام الناس، وساعدته لكي يسكن في لوكاندة صغيرة قرب سيدنا الحسين مازلت بعد 60 سنة أتذكر اسمها جيداً “نوم العوافي لصاحبها عبد الشافي”، المهم.. كتبت الحوار مع الصور وتم نشره على مساحة كبيرة، وفي اليوم التالي فوجئنا بمظاهرة حول مبني جريدة الأهرام القديم، فقد حضر أهل قرية الرجل ومعهم أبناؤه ليسألوا عن أبوهم، وبالفعل ذهبت بهم إلى اللوكاندة ونشرنا ما حدث بالصور في تحقيق ثان، وبمناسبة الأستاذ هيكل .. في يوم اتفق مع الأستاذ مصطفى أمين على تنظيم مباراة كرة قدم بين الأهرام وأخبار اليوم على كأس الصحافة ، وأبلغنا الأستاذ بأنه لا مفر من فوزنا بالمباراة، وكان فريقنا مكوناً من صلاح منتصر ونجيب المستكاوى وعبدالوهاب مطاوع وسعيد عبدالغنى وإسماعيل البقرى وأنا وكامل المنياوى ويحيى التكلى وبعض موظفى وعمال الأهرام، وتم شراء ملابس رياضية للجميع وحذاء رياضى أيضا وتوجهنا بإحدى عربات توزيع الأهرام إلى نادى الترسانة حيث أقيمت المباراة، وتم اختيار محمد الطيب مدربا لفريق الأهرام.. وأتذكر أن صلاح منتصر لم يكن وقتها أحد لاعبى الفريق لكنه قرر المشاركة فى آخر لحظة واستعار حذاء من النجم الكبير حسن الشاذلى والذى أبلغه بأن هذا الحذاء يعرف طريق المرمى! وفوجئنا بالأستاذ هيكل فى غرفة تغيير الملابس قبل المباراة يتقمص دور المدرب ويطالبنا بالفوز قبل أن يصعد للمقصورة ويجلس بجوار مصطفى أمين، وقبل نهاية المباراة مرر صلاح منتصر الكرة لي فانفردت بالمرمى وسجلت هدف المباراة الوحيد الذى فزنا به.
*المنافسة بينك و عبد الوهاب مطاوع امتدت بعد ذلك بين ” بريد الجمعة ” و “تحقيق السبت”، كيف استطاع كل كاتب منكما الحفاظ على لون مختلف عن الآخر؟
الحكاية ببساطة أنه من البداية كان لكل منا شخصيته وطريقته وأسلوبه، وكثيراً ما كانت تأتي لي مشكلات وأفكار وأرسلها ل عبد الوهاب مطاوع لأنه في رأيي كان أفضل في تناولها، وهو كان يتلقي عشرات الخطابات ويحيلها لي لأنها مشاكل مجتمعية يجب التعامل معها بطريقة التحقيق الصحفي، كنا زملاء وأصدقاء وأحباء وهذا ما تبقي بعيداً عن العمل، وكما كنت أسعد الناس بكل نجاح يحققه في مشواره المهني.. هو كان أول من يناقشني ويهنئني بعد كل “خبطة صحفية” أقوم بها مثل تحقيقي داخل دير الأنبا مقار والذي تناقلته وكالات الأنباء بعدما كتبت لأول مرة عن اكتشاف رفات النبي يوحنا المعمدان، أي سيدنا يحيي عليه السلام داخل الدير.
*بعدما تولي عبد الوهاب مطاوع رئاسة تحرير إصدار صحفي موجه الشباب، وقامت سناء البيسي بتأسيس إصدار للمرأة، هل مجلة الأطفال “علاء الدين” أنت الذي سعيت إليها أم كانت تكليفاً؟!
عندما كنت طالباً في ثالثة ابتدائي أرسلت خطاباً لمجلة أطفال اسمها “علي بابا” أطلب فيه التعاون معهم بأن ينشروا لي أخباراً وقصصاً، وبالفعل وافقوا.. بل أرسلوا لي “كارنيه” ومكتوب فيه إنني مراسل المجلة في القناطر الخيرية، أكثر من 70 عاماً وأنا أحتفظ بهذا الكارنيه في جيبي لا يفارقني، وحصلت بعد ذلك علي عشرات الكارنيهات لكن كارنيه طالب ثالثة ابتدائي ومراسل علي بابا هو أعظم وسام حصلت عليه وهم بالمناسبة لم يرسلوا لي أموالاً ولكن لأن الشركة التي تصدر المجلة كانت متخصصة في الطباعة وصناعة الكراسات والأقلام والأدوات المدرسية، فأرسلوا لي صندوقاً يكفي احتياجاتي طوال العام الدراسي، وهذه الخبرة الطويلة استمرت معي لسنوات طويلة حتي جاء الأستاذ إبراهيم نافع في يوم وقال إنه يريد إصدار مجلة للأطفال، وقد لا يعرف كثيرون أن عبد الوهاب مطاوع هو الذي رشحني له وقال له “عزت طفل كبير، وستكون النتيجة مدهشة”، وبالفعل طلبت أن أقوم بجولة في المحافظات أولاً لأسأل الأطفال ما الموضوعات والأبواب التي يفضلون قراءتها ، ثم سافرت لأمريكا وهولندا لأعرف وأتعلم التفاصيل الفنية لإنشاء مجلة أطفال مؤثرة، وفتحنا الباب للفنانين التشكيليين من الجامعات وبعد فترة دراسة طويلة قررنا الصدور، وأنا كنت معجباً منذ صغري بمغامرات علاء الدين.. فأطلقت اسمه علي المجلة الجديدة.
*أليس غريباً أن أرشيفك الكبير جداً طوال 60 عاماً لا يضم سوى القليل من الموضوعات السياسية؟!
أنا صحفي يكتب للغلبان في الشارع ولا علاقة لي بمن يجلس علي الكرسي، أنا أتجاهل السياسة وهمي الأكبر الإنسان المصري، كتبت مقالات منذ 50 عاماً وجهت خلالها جرس إنذار للمجتمع بخصوص التحرش والاغتصاب والعنوسة وأصدرت كتباً كاملة، وهذه الظواهر لم أتخيل نهائياً أن يمتد العمر وأجد الناس تعتبرها مجرد حوادث عادية، زمان كانت مصر كلها تنقلب عندما تجرأت سيدة وقتلت ابنها.. وغالباً بالكشف عليها كان يتبين أنها مريضة نفسية، لكن اليوم الخبر اليومي العادي أن أبا يقتل أخيه وولدا يقتل أمه.. مستحيل تكون هذه مصر التي أعرفها، وهذا دور خبراء علم الاجتماع ليدرسوا ما الذي أوصل مجتمعنا لهذا الحال، وفي رأيي الفقر هو الشماعة التي نعلق عليها كل شيء.. لكن زمان كانت الأزمات أكبر من الآن والمشاكل الاقتصادية أعقد والفقر مووداً ولم نسمع عن هذه الظواهر الخطيرة، ما الذي جعل “العنوسة” بمثابة طائر أسود يفرد جناحيه بهذا الشكل علي شجرة العائلة المصرية، لماذا وصل بنا الحال لكل هذه الأرقام من حالات الطلاق، أما التحرش فقد أصبح آفة تستدعي العقاب الرادع والذي طالبت به في كتبي منذ 30 عاماً ولم يقرأ أى أحد.
*لو توقفنا عند بعض الشخصيات التي قابلتها ولا تنساها في قطار العمر، تتذكر من؟!
كيف أنسي الدور السادس بالأهرام والذي كان يجلس فيه توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ولويس عوض والدكتور زكي نجيب محمود وبنت الشاطئ وثروت أباظة ولطفي الخولي ويوسف جوهر وصلاح طاهر وغيرهم، فإذا كان الشارع هو المدرسة الحقيقية التي تعلمت فيها الصحافة .. فهؤلاء كانوا المدرسة الحقيقية التي تعلمت فيها الثقافة، وعندما بدأت بقسم التحقيقات وبعد يوم واحد قال لي أحد الصحفيين وقتها “أنت لا تصلح إطلاقاً لتصبح محرراً صحفياً” وعرض علي التوسط لتعييني موظفاً بوزارة الأوقاف، وبسببه مشيت في شوارع وسط البلد وحتي ركبت القطار وأنا أبكي من الصدمة، وقررت أثبت له أنني أستحق وساعدني علي ذلك صلاح منتصر والذي عشت معه أياماً رائعة، ثم جاء صلاح هلال من الأخبار وعشنا معه أيامنا الذهبية في التحقيقات، لا أنسي رفاق الطريق مثل العبقري صلاح جاهين، والبابا شنودة عرفته عندما كان اسمه نظير جيد قبل أن يدخل سلك الرهبنة، فقد كان زميلا لى عام 1956 بقسم صحافة بآداب القاهرة، كنت فى السنة الثانية طالبا منتظما وهو زميلا لنا منتسباً من الخارج، ورغم الفارق العمرى بيننا كان ودوداً وسريع البديهة ورائعاً وكثيراً ما سهرنا معاً علي مقهي الفيشاوي بالحسين، وبالمناسبة.. أنا شاهدت الملك فاروق وجهاً لوجه وعمري 8 سنوات، ففي أحد أيام شهر رمضان اصطحبني والدي ومعي أخي صلاح إلي القاهرة لكي نذهب لزيارة سيدنا الحسين والسيدة زينب وأولياء الله الصالحين.. وركبنا القطار إلي القاهرة، ثم طلب منا والدي ان نذهب لنستمع إلي الشيخ مصطفي إسماعيل أشهر مقرئي هذا الزمان في السرادق الذي كان يقام بقصر عابدين، وفجأة ظهر الملك فاروق مع الياوران الخاص به، وبعد أن قرأ الشيخ مصطفي إسماعيل سورة يوسف قام الملك رافعا يديه لتحية الحاضرين.
*مادمنا نتكلم عن مساهمات عبد الوهاب مطاوع و عزت السعدني في الصحافة الإنسانية بالأهرام، فماذا عن الطرف المهم بهذا المثلث الأستاذة سناء البيسي؟
كانت زميلتي بكلية الآداب قسم الصحافة ، وعشرة عمر وتربطنا علاقة صداقة عظيمة حتي اليوم، وربنا أراد أن تؤسس هي مجلة “نصف الدنيا” وهي لها فضل كبير جداً في نجاحها طوال سنوات عديدة، وهي أستاذة كبيرة جداً وعيبها الوحيد في رأيي إنها “مبتتكلمش” وعمرها ما قالت إنها عملت أو حكت عن تاريخها الصحفي المشرف .
نختم من حيث بدأنا، هل تعتقد أن صحفياً فريداً مثل عبد الوهاب مطاوع يمكن تعويضه.. أو حتى الاقتراب من مكانته لدى قرائه؟!
عبد الوهاب كان أستاذا في الحوارات وخاصة أدق التفاصيل، كان قيمة كبيرة فقدتها مصر، وربما يلحظ البعض أنه رغم صداقتنا القوية وأن مجلتكم “الشباب” استضافت مشاهير كتاب المقالات في مصر لكنني لم أكتب نهائياً فيها.. وعندي في مجلة “علاء الدين” لم أعرض عليه الكتابة، ربما كان بيننا اتفاق غير مكتوب لأن أسلوبنا كان متقاربا جداً وبالتالي “بلاش حد يقرب من التاني”، وعلاقتنا كانت أكبر من مجرد زمالة شغل، وبعدما توفي عبد الوهاب قال لي إبراهيم نافع “أكتب بريد الأهرام”، ووافقت لكن بشرط أن أكتب أيضاً “تحقيق السبت”، فقال لي: صعب.. اختار يوماً واحداً فقط لتكتب فيه، فاخترت الاستمرار مع مشروع حياتي “تحقيق السبت”، ورغم مرور 16 عاماً لكنني مازلت أعيش صدمة عدم وجود عبد الوهاب مطاوع في حياتي.. فجزء كبير من أيامي الحلوة عشتها معه والراحل محمد زايد، وأذكر مرة كنا نتمشي نحن الثلاثة في وسط البلد سنة 1960، وفجأة توقف عبد الوهاب وأشار لرجل يمشي علي الرصيف المقابل وقال بانبهار “هل تعرفون من هذا.. إنه بيرم التونسي” ! جرينا علي الرجل الذي فوجيء بنا نلتف حوله، فجلسنا علي مقهي وكان بسيطاً جداً وقبل أن يودعنا أخبرنا بأنه اليوم سيقابل أم كلثوم وزكريا أحمد ومحمد القصبجي لإجراء بروفات علي أغنية “هو صحيح الهوي غلاب” وعزمنا أن نذهب للاستماع لكن بشرط أن نجلس بعيداً عن الفرقة الموسيقية، وكانت أجمل ليلة في حياتي.
Discussion about this post