يأتي سقوط عقار شارع قصر النيل اليوم السبت في وسط القاهرة، ليعيد إلى الأذهان العديد من الوقائع التاريخية، للكثير من المنازل والعقارات التي إنهارت بسبب الظواهر الطبيعية كالأمطار والسيول، أو بسبب بعض الكوارث الأخري كالحرائق، الكثير من المنازل التي تبدلت هيئتها وماكانت عليه وقت بنائها، خاصة في الأوقات التي لم يكن العالم قد عرف فيها أسس تنظيم البناء، تلك الأسس التي بدأت في القرن التاسع عشر، والتي حددت قوانين الارتفاع والتنظيم، وهو الوقت الذي تزامن مع تأسيس الخديو إسماعيل للقاهرة الخديوية في قلب العاصمة.
يذكر المؤرخون القدامي والرحالة أن المصريين القدامي ابتدعوا فكرة المنزل منذ عصر الفراعنة، في وقت كانت فيه الأمم تسكن في الخيام أو المغارات الصخرية، حيث كانت تبني المنازل الطينية في مكان مرتفع، يقول الخبير الأثري نصر سلامة لــ”بوابة الأهرام ” إنه معرفة القدماء بمخاطر فيضان نهر النيل كانت تجعلهم يبعدون بمنازلهم عن ضفاف النيل ،وكانوا يبنون معابدهم ومقابرهم علي هضاب مرتفعة، حيث عاش المصريون القدماء علي الضفة الشرقية للنيل وبنوا معابدهم ومدنهم ومنازلهم، بينما بنوا مقابرهم في الضفة الغربية، حيث كان الغرب يرمز إلى الموت في اعتقادهم.
منازل “الفسطاط” أقدم عاصمة إسلامية في قلب مصر، كانت تصل لنحو 14 طابقاً، بما يشبه ناطحات السحاب، وهو الأمر الذي أنكره الأثريون الذين قاموا بحفائر في المدينة، حيث تؤكد الدراسات أن ما أورده المؤرخون القدامة كان مبالغا فيه، وأن منازلها كانت متعددة الطوابق، تضم نافورة وحدائق ومجاري مائية، كما كانت شوارعها مزدحمة بالسكان.
وتنشر “بوابة الأهرام” صورا فوتوغرافية نادرة لتعامل الحكومة قديما مع انهيار المنازل، وذلك في عام 1924م قبل ما يقرب من قرن من الزمان، كما ننشر قوانين البناء التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وإرشادات المهندسين المصريين الأوائل عن كيفية البناء، نقلا عن مذكرة ” محمد أفندي مصطفى ” من جمعية المهندسين الملكية عام 1925م، والتي نشرها علي مايبدو بعد انهيار عدد من المنازل في مناطق بركة الفيل، وسقوط ضحايا ومصابين تم استخراجهم من تحت الأنقاض من قبل المطافىء والإسعاف، كما أظهرت الصور الفوتوغرافية النادرة.
المهندس محمد أفندي مصطفي قال في محاضرته النادرة، إنه من واجبات المهندس المعماري أن يلفت نظر صاحب العقار للعديد من الأشياء، منها نوع الأرض وطبقاتها، وكذلك الموقع، فهو إذا كان عند إنشاء عمارة جديدة، يختلف عن الوضع إذا كان المبني قديما ويتم هدمه، كما أنه يجب علي المهندس أن يقوم بوقاية المبني من الحر والمطر والبرد، وغيرها من التغيرات المناخية، وذلك بصفة دائمة مستديمة، وإلا ستكون الوقاية وقتية فقط، ومع مرور الزمن ينهار المنزل ويتعرض للتصدع.
وقال “مصطفى” غن نوع طبقات الأرض من الأمور المهمة، حيث يستحسن البناء علي الأراضي الجافة، بشرط أن تكون علي عمق عظيم، لأنها تمتص الحرارة نهارا وتخرجها ليلا، وبذلك تحصل على درجة الحرارة المعتدلة، فلا يشعر الساكن بالحر نهارا والبرد ليلا، وكذلك يستحسن البناء علي الأراضي الرملية التي بها حصاء غليظ، بشرط أن تكون الأرض خالية من المستنقعات، أما الأراضي الطينية فلها مضار في البناء، وكذلك الأراضي الزراعية التي يستحسن عدم البناء عليها.
ومن الملاحظات الأخرى أنه من الأفضل أن يكون البناء علي أرض مرتفعة، بها ميل متجه نحو الجنوب أو متجه للشرق، كما يقول محمد أفندي مصطفي، وأن كان هناك غرفتان للجلوس في المنزل يلزم أن تكون إحداهما مطلة علي الجهة القبلية لتصلح لفصل الشتاء، وتكون الأخرى في الجهة البحرية لتصلح للجلوس فيها في فصل الصيف، كذلك على المهندس أن يمنع الرطوبة من التصاعد للعمارة من داخل الحوائط والأرضيات، ومن الأرض نفسها التي عليها المسكن، وذلك عن طريق عمل تركيبة طبقة عازلة، وفي بعض الأحيان باستعمال حائطين بينهما فراغ يتخلله الهواء، وبانتخاب مواد مدمجة ليس بها ثقوب للحائط الخارجي، وهذا الأمر من اختصاص فنون العمارة.
وأكدت المحاضرة الهندسية أنه يلزم عمل المراحيض داخل المنزل بناء علي لائحة الصحة، ولابد من وضع أحد حوائط المراحيض علي الجهة الخارجية من المنزل، أما اذا كان المرحاض ترابيا، أي يستخدم التراب كما كان معمولا به آنذاك في أغلب مساكن القاهرة قبل شيوع الصرف الصحي، فلا بد ان يكون مطلا علي حوش متسع أو على جنينة أو علي فضاء.
وأوضح المهندس محمد أفندي مصطفي أن تساوي درجة الحرارة مهم جدا، بمعني أن درجة الحرارة داخل المسكن لاتتغير سوي من محل إلي آخر، ويكون ذلك باعتناء في تصميم المسقط الأفقي من جانب، ومن جانب آخر بتسخين أو تبريد المسكن بطريقة صناعية، مع توزيع الإضاءة الكافى وضوء الشمس ، أما الشبابيك يلزم أن تكون بحجم كبير منظمة التركيب مرتفعة داخل الغرف، وكذلك الممرات والطرقات تحتاج لدخول الضوء، لأنه من أساسيات الصحة، كذلك توزيع الماء ووصول الهواء للسكان.
وتطرق محمد أفندي مصطفي في ختام محاضرته إلى شرح قواعد تنظيم البناء في العالم، التي ظهرت في شهر أغسطس عام 1862م في لندن، والتي حددت ارتفاع طوابق العمارات بـ 24 مترا كحد أقصى، وأن يتم أخذ تصريح من المجالس المحلية مع إعادة بناء المنازل المرتفعة، طبقا لما حدده القانون في الارتفاع.
Discussion about this post