أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن مصر دولة عظيمة وراسخة المؤسسات منذ آلاف السنين ، وذكر أن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكرهوا أحدا على الدخول فى الإسلام ولَم يتعرضوا لدور عبادة الآخرين بسوء .
وأضاف جمعة خلال خطبة الجمعة اليوم بمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة:”ونحن فى مصر نحمى دور عبادة الآخرين كما نحمى دو عبادتنا ، والتاريخ والحاضر يشهدان بتعانق المسجد مع الكنيسة والمعبد وهو ما نجده واقعا حيا ملموسا على أرض الواقع بمصرنا العزيزة ، وقد تحدث القرآن الكريم عنها بلفظ المدينة خمس مرات ، أربع مرات فى قصة سيدنا موسى (عليه السلام) ، وهى :
1. ” وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ” (القصص : 15) .
2. “وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ” (القصص : 20) .
3. “فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ” (القصص : 18) .
4. ” قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ” (الأعراف : 123) .
ومرة فى قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) ، وهى : “وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ” (يوسف : 30) .
ووصف القرآن الكريم حاكمها بالملك فى خمسة مواضع ، مما يعنى وجود دولة ومُلْك عظيم ، وهى قوله تعالى فى قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) :
1. “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاى إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” (يوسف : 43) .
2. “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ” (يوسف : 50) .
3. “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ” (يوسف : 54) .
4. ” قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ” (يوسف : 72) .
5. ” كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ” (يوسف : 76) .
وتابع وزير الأوقاف:”وملك مصر لم يكن ملكا عاديا ، بل كان ملكا ظاهرًا ، حيث يقول الحق سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون : ” يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِى الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ” (الأحزاب : 29) ، وخزائنها وصفت فى عهد سيدنا يوسف (عليه السلام) بأنها خزائن الأرض ، يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) : ” قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف : 55) ،فهى دولة راسخة الملك والمؤسسات عبر تاريخ يضرب لأكثر من سبعة آلاف عام فى أعماق الزمن .
واستطرد وزير الأوقاف:”وإذا كنا على مشارف استقبال عام هجرى جديد فإننا نؤكد أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر إلى المدينة المنورة ، ما أن استقر بها حتى عمل على إقامة وتقوية مؤسسات الدولة ، فبدأ (صلى الله عله وسلم) بإنشاء المسجد، الذى كان مؤسسة علمية وتربوية ودار عبادة فى آن واحد ، وإلى جانب المسجد أقام لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوقهم بالمدينة، تأكيدًا على أهمية الاقتصاد بصفة عامة ، والتجارة بصفة خاصة ، ولا يقف الأمر فى عصرنا الحاضر عند مفهوم السوق التقليدى ، إنما يتطور بتطور الزمان والمكان إلى إقامة الأسواق الدولية التى تصبح مراكز ارتكاز إقليمى أو دولى ، تجارية كانت أم لوجستية .
ومن أهم أعمدة بناء الدولة التى عمل نبينا (صلى الله عليه وسلم) على إرسائها ، ترسيخ أسس التعايش السلمى بين المواطنين وهو ما ترجم عمليًّا فى وثيقة المدينة المنورة ، حيث أكد (صلى الله عليه وسلم) فى الوثيقة على أن يهود بنى عوف ، ويهود بنى النجار، ويهود بنى الحارث، ويهود بنى ساعدة ، ويهود بنى جشم ، ويهود بنى الأوس ، ويهود بنى ثعلبة ، وغيرهم من يهود المدينة مع المؤمنين أمة واحدة ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، وهم يد على من سواهم ، إلا من ظلم أو أثم .
ونؤكد أننا فى مصرنا العزيزة نطبق هذه الوثيقة تطبيقًا عمليًّا نحفظ لشركاء الوطن دور عبادتهم كما نحفظ دور عبادتنا كما علمنا ديننا الحنيف، وهذا مسجد سيدنا عمرو بن العاص (رضى الله عنه) موضع موقفنا الآن يعانق الكنيسة والمعبد فى تطبيق عملى وفهم دقيق لمفهوم وثيقة المدينة المنورة .
واختتم وزير الأوقاف:”ونؤكد أن الحفاظ على كيان الدولة والعمل على تقوية مؤسساتها مطلب وطنى ومقصد من أهم مقاصد الشرع الحنيف ، فمصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، ولكل وطن مؤسساته التى هى بمثابة الأعمدة الحاملة للبناء، ومن أهم هذه الأعمدة الجيش الوطنى الذى يحمى البلاد من المخاطر التى تتهددها ، والشرطة الوطنية التى تسهر على أمن المجتمع وسلامه ، والقضاء العادل الذى يعمل على إعطاء كل ذى حق حقه ، والإعلام الوطنى الذى يبنى ولا يهدم، والمؤسسات الدينية والتربوية والثقافية التى تواجه الفكر المتطرف ، وترسخ لأسس التعايش السلمى بين أبناء المجتمع ، وهكذا سائر مؤسسات الدولة الوطنية من صحة ، وتعليم ، وتجارة ، وزراعة وصناعة، فكلما قويت مؤسسات الدولة عظم شأنها ، لذا فإن جماعات الفتنة والضلال إنما تعمل دائما على إضعاف كيانات الدولة ومؤسساتها وإقامة كيانات بديلة أو موازية ، لأن هذه الجماعات لا تنشأ ولا تقوم إلا على الخراب وأنقاض الدول، فحيث حلت هذه الجماعات حل الخراب والدمار .
Discussion about this post