لم يكن حادث انفجار مرفأ بيروت الذي وقع أمس الأول هو الوحيد الذي عانت معه لبنان من ويلات الدمار والشتات ونقص الموارد، فالدولة التي منحها الله بطبيعة خلابة تشبه جنته على الأرض طالها كثير من الأزمات والكوارث بين حروب أهلية وطائفية بخلاف ما شهدته الدولة من دمار إثر العدوان الإسرائيلي، الذي اجتاح مدنها في الثمانينات من القرن المنصرم.
لكن هذه المرة ربما تكون الفاجعة أكبر، تأتي بعد شهور طويلة من المعاناة التي عاش فيها الشعب ما بين ثورة ومطالبات ب حقوق اقتصادية بعد تأزمات مالية كبيرة غاص فيها الشعب والحكومة، وبين جائحة «كورونا» التي أدت لتوقف نشاط الحياة كاملة بعد ظروف الحجر الإجباري التي فرضت على المواطنين.
وتأتي أزمة تفجير مرفأ بيروت وتحولها لمدينة منكوبة، وبعيدًا عن تلك الآثار الاقتصادية والنفسية السيئة وغيرها من تلك التي ستحصدها الدولة خلال الفترة المقبلة، والتي تفصح عن خسائر فادحة، هناك جانبًا آخر يتلقى ضربة قاسية يكمن في القطاع الفني الذي سيشهد تراجعًا مؤكدًا في صناعته ما يشير لاحتمالية تراجع الإنتاج ال لبنان ي بنسبة كبيرة في الوقت الذي حققت فيه خلال السنوات الماضية، نجاحًا كبيرًا جعلها تتصدر المشهد بعد أن خرجت الدراما السورية من المشهد عقب الأحداث السياسية التي مرت بها منذ الأحداث المرسفة في السنوات الأخيرة، بخلاف دخول كثير من الفنانين السوريين للعمل في الدراما ال لبنان ية ما أدى لدعم الدراما ال لبنان ية وزيادة فرص تسويقها.
ومن تلك النقطة يمكن الحديث، أن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعيشها لبنان حاليًا في أعقاب هذا التفجير، وبخلاف ما سوف ينتج عنه من تقليل نسبة الإنتاج المقدم فأنه سيكون هناك تراجع في مشاركة الفنانين السوريين بالأعمال ال لبنان ية والذين لربما يبحثون عن نافذة أخرى للعمل بها وذلك بسبب تلك الأزمة الاقتصادية والتي من المؤكد ستشهد انخفاضًا في الأجور المقدمة.
وبالإضافة إلى تراجع الإنتاج وتخفيض الأجور التي ستكون نتاج أيضًا لتحطيم عدد من الاستديوهات والشركات الإنتاجية الموجودة ببيروت، فأنه لن يكون مقبولًا أن تخرج الأعمال الدرامية الجديدة وتناقش موضوعات اجتماعية بل أن السياسة حتمًا لابد أن تفرض أذرعها على هذه الأعمال مما يمكن معه موجة من المنع من الرقابة ال لبنان ية هذا من جانب، أما الجانب الآخر فأن عدم فرض السياسة بشكل مباشر أو غير مباشر منع على نوعية الأعمال الدرامية ال لبنان ية المقدمة في المرحلة المقبلة سيثير غضب الجمهور إلى حدًّا ما، خصوصًا أنه بات ينتفض طوال الوقت ويعبر عن رأيه واحتجاجه بقوة وجرأة.
الجانب الآخر، من هذه الأزمة سيكمن في تدمير بيروت ذاتها، سواء من جانب آبناء الدولة أو من يذهبون إليها لتصوير أعمالهم الدرامية نظرًا لما تتمتع به المدينة من طبيعة ومواقع تصوير يستغنى بها فريق العمل عن السفر إلى الخارج أو لربما تطلب الأحداث التصوير في لبنان ذاتها بحسب ما هو موجود بالسيناريو، لذلك وحتى مع محاولات إعادة البناء خلال الفترة القادمة سيكون هناك بعض المواقع التي تطلب فترات أطول في إعادة البناء مما سيتعطل معه تصوير عدد من الأعمال الدرامية.
ولأن التدمير طال كثير من المواقع الحيوية ومنها الاستديوهات وشركات الإنتاج التي تمتلك بالطبع كثير من المعدات والخامات فإن مرحلة إعادة بناء هذه المواقع سيتطلب مزيدًا من الوقت والتكاليف التي ستؤدي لتوقف النشاط لفترة ما.
وبخلاف ما أحدثته جائحة «كورونا» من توقف نشاط الحفلات والمهرجانات على مدار الشهور الماضية، فأن حادث تفجير المرفأ سينتج عنه حملة جديدة من التوقف والإلغاء التي ستفصح عن خسائر مالية وفنية جديدة.
لعل عام 2020 هو الأقصى تأزمًا للشعب ال لبنان ي في سنوات الألفية الجديدة، عام امتلأ بالألم والبكاء على الوطن، لكن قوة الشعب الذي سبق ونهض في كثير من مصائبه السابقة التي مر بها سوف تحفزه للنهوض والبناء من جديد، ولعل الفن ال لبنان ي بمختلف فنونه يخالف القاعدة ويفاجئنا بإنتاج وفير وقيم على الصعيد الفني باعتبار أن الفن هو وسيلة المقاومة لآلام الشعوب.
Discussion about this post