في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، تتجه العديد من الدول نحو التحول من نظام الدعم العيني إلى الدعم النقدي، فهل هذا التحول هو الحل الأمثل لتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه؟ أم أنه سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للفئات الأكثر احتياجًا؟.
الإجابة على كل تلك الأسئلة يعرضها في السطور القادمة موقع “عين مصر”، ونحلل الآثار المترتبة على هذا التحول على المواطنين والاقتصاد، وذلك على النحو التالي:
قال الدكتور رشاد عبده الخبير الإقتصادي، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الدعم النقدي يقصد به بدلاً من تقديم السلع الغذائية المدعمة، إعطاء المواطن مبلغًا من المال تحدده الدولة بناءً على دراسات معينة، مشيرًا إلى أن الهدف من هذا النظام هو تسهيل حصول المواطن على احتياجاته الغذائية، وتجنب مشاكل نقص السلع أو تدني جودتها التي تواجهها منظومة الدعم العيني التقليدية”.
وأوضح “عبده”، لـ موقع عين مصر، ردًا على اتجاه الدولة للدعم النقدي لعدم كفاية السلع الغذائية: “تفضل الحكومة النظام النقدي على الدعم العيني بسبب التحديات التي تواجهها في توفير السلع، مثل ارتفاع الأسعار العالمية وتلاعب التجار، فبدلاً من التعامل مع تحديات الاستيراد والتوزيع، يمكن للحكومة ببساطة تقديم مبلغ نقدي للمواطنين”.
هل الدعم العيني أفضل أم الدعم النقدي؟
وتابع الخبير الاقتصادي: “أن للدعم النقدي جوانب إيجابية وسلبية، من ناحية يتناسب الدعم النقدي مع عقلية المواطن المصري، حيث يمنحه حرية الاختيار وقدرة أكبر على إدارة ميزانيته، من ناحية أخرى، قد يستغل التجار هذا النظام لرفع الأسعار، مما يؤدي إلى زيادة العبء على المواطن”.
وأشار: “نجاح نظام الدعم النقدي مرتبط بشكل كبير بفعالية الرقابة الحكومية على الأسواق، فبدون رقابة صارمة، قد يستغل التجار هذا النظام لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه”.
إلغاء البطاقات التموينية
وواصل: “بعد تحول إلى منظومة الدعم النقدي، بالنسبة للبطاقات التموينية والخبز، هيبقى المواطن مالوش بطاقات تموينية ومنه للتجار، والحكومة هترتاح من موضوع توفير السلع للمواطن المصري، وأقصى حلول ممكن تقدمها وزارة التموين في الوقت ده هو مناشدة التجار بعدم رفع الأسعار، وأكيد التجار مش هتسمع الكلام وهتعلي الأسعار أكتر ومعدل التضخم هيزيد، فالبنك المركزي هيتضطر يرفع أسعار الفائدة عشان يمكن المواطن من العيش حياة كويسة، وهيترتب عليه رجال الأعمال والمستثمرين مش هيعملوا مشروعات، وده اللي هيخلي البطالة تزيد ومش هيبقى عندنا فوائض نصدرها، فالتصدير يقل والدخل من العملة الأجنبية يقل، وده كمان هيأثر على البورصة، وهيخلي الناس تتجه للبنوك أكتر عشان الفوائد أكتر”.
بيع العيش بالوزن
وأفاد: “يخشى البعض أن يؤدي بيع الخبز بالوزن إلى تلاعب بعض المخابز بإضافة دقيق الذرة أو الشعير، وذلك بهدف زيادة وزن الرغيف وبيعها بسعر أقل، دون مراعاة الجودة الغذائية للمنتج، فكل ما يهم بعض المستهلكين هو الشعور بالشبع، بغض النظر عن القيمة الغذائية للخبز”.
رسالة الدكتور رشاد عبده للحكومة
ووجه رسالة للحكومة: “ادرسوا الموضوع أو المشاكل الناتجة عن تطبيقها قبل تنفيذها عشان مايبقاش حمل على المواطن، وده عن طريق أخذ مشورة خبراء حقيقيين في المجال قبل تنفيذ الأفكار، وأكيد هيأثر على سعر الرغيف واللي يقول الكلام ده الدراسات اللي هتتعمل عن الموضوع”.
خطة اقتصادية شاملة
من جانبه قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، لـ موقع عين مصر: “التحول إلى الدعم النقدي في مصر لم يكن نتيجة مباشرة لنقص المخزون الغذائي، بل هو جزء من خطة إصلاحات اقتصادية شاملة تهدف إلى زيادة كفاءة الدعم وتحقيق عدالة في توزيعه، مشكلة المخزون الغذائي كانت دائمًا أحد التحديات، لكن الهدف الأساسي من التحول هو تقليل الهدر وضمان وصول الدعم إلى المستحقين”.
كما أضاف: “التحول إلى الدعم النقدي يسهم في تقليل الهدر الناتج عن توزيع السلع العينية ويضمن وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا، كما يقلل من التلاعب في توزيع السلع المدعومة، ويوفر تكاليف لوجستية وإدارية كانت مرتبطة بتوزيع السلع”.
وأكمل الإدريسي حديثه: “التحول إلى الدعم النقدي لا يعني بالضرورة “رفاهية” أكبر بالمعنى التقليدي، ولكنه يهدف إلى منح المواطن حرية أكبر في كيفية إنفاق الأموال التي يتلقاها، المواطن سيكون قادرًا على تحديد أولوياته بدلًا من تلقي سلع محددة قد لا تكون متناسبة مع احتياجاته الفعلية، ومع ذلك، يعتمد هذا على القيمة الفعلية للدعم النقدي مقارنة بأسعار السلع في السوق”.
وأضاف: “على المدى الطويل، التحول إلى الدعم النقدي وبيع العيش بالوزن قد يكون في صالح المواطن لأنه يمنحه مرونة أكبر في إدارة موارده ويقلل من التلاعب أو الهدر في النظام، ومع ذلك يعتمد على كيفية تطبيق النظام الجديد ومدى قدرة الحكومة على ضبط الأسعار وتوفير السلع بأسعار معقولة”.
واكد الإدريسي: “منظومة العيش والبطاقات التموينية ستشهد تغييرات جوهرية. على سبيل المثال:
• الدعم العيني للخبز قد يتغير إلى مبلغ نقدي مباشر يمكن للمواطن استخدامه لشراء العيش أو سلع أخرى.
• قد تتوقف بعض البطاقات التموينية عن تقديم سلع محددة مثل السكر والزيت وتتحول إلى مبلغ نقدي يصرف للمواطن لشراء ما يحتاجه”.
وتابع الإدريسي: “بيع العيش بالوزن يعتبر خطوة لتحسين العدالة في التوزيع وتقليل الهدر، حيث يمكن للمواطن الحصول على كمية تتناسب مع احتياجاته الفعلية بدلاً من تلقي وحدات ثابتة قد لا تستهلك بالكامل، من المحتمل أن يسهم هذا في ضبط الأسعار، لأن الفائض عن الحاجة قد يؤدي إلى هدر”.
آليات الدولة لتنفيذ مشروع الدعم النقدي
أوضح الإدريسي: “الدولة تعتمد على عدة آليات لتنفيذ مشروع الدعم النقدي، منها:
• تحديث قاعدة البيانات: لضمان وصول الدعم إلى المستحقين الحقيقيين، تم تحديث بيانات المستفيدين باستخدام تكنولوجيا متطورة مثل الربط بين مختلف الوزارات.
• التحول الرقمي: يتم توفير الدعم عبر بطاقات مصرفية أو محافظ إلكترونية لتسهيل وصول المستفيدين إلى الدعم بشكل مباشر.
• تدريجية التحول: التحول سيتم تدريجيًا لضمان عدم حدوث اضطراب مفاجئ في السوق”.
وأضاف الإدريسي: “الدعم النقدي يُعتبر أكثر استدامة على المدى الطويل إذا تمت إدارته بكفاءة، لأنه يقلل من الفاقد والهدر ويتيح للحكومة التحكم في قيمة الدعم بحسب التغيرات الاقتصادية، كما يسهل ضبط الميزانية وتوجيه الموارد بشكل أكثر فاعلية”.
كما أعرب الإدريسي: “التحديات تشمل:
• التمويل المستدام: مع ارتفاع أعداد المستفيدين قد تجد الحكومة صعوبة في تمويل برامج الدعم النقدي إذا لم يكن هناك نمو اقتصادي قوي.
• التضخم: زيادة الأموال المتداولة في السوق قد تساهم في ارتفاع الأسعار، مما يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات لضبط التضخم.
• البنية التحتية: تأمين وصول الدعم النقدي لكل المستفيدين يتطلب بنية تحتية مصرفية قوية”
وتابع الدكتور علي الإدريسي حديثه عن تحديد قيمة الدعم قائلًا: “لم تُحدد بعد قيمة الدعم النقدي على السلع في النظام الجديد، حيث لا تزال الحكومة المصرية تعمل على تقييم التكلفة الحقيقية للدعم الحالي مقارنة بالأسعار السوقية، بالنسبة للعيش، قد تكون القيمة النقدية تعادل الفرق بين السعر المدعوم الحالي والسعر الفعلي في السوق، وهو أمر يعتمد على العديد من العوامل مثل سعر القمح وتكلفة الإنتاج”.
اختار بنفسك سلعك الغذائية
فيما أشار الدكتور شريف الدمرداش الخبير الإقتصادي، في تصريحات لـ موقع عين مصر: “بخلاف الدعم العيني الذي يقدم فيه منتجات محددة، يوفر الدعم النقدي للمواطن مبلغًا من المال ليختار بنفسه ما يحتاجه، بمعنى آخر، بدلاً من إعطائك سلعة معينة، نعطيك قيمتها النقدية لتشتري بها ما تشاء”.
كما أوضح الدمرداش: “أن التحول النقدي لا يمكن أن يكون سبب في رفاهية الشعب المصري، وده من الممكن أن يكون بسبب عدم توفر السلعة”.
وقال الدمرداش ردًا على بيع العيش بالوزن: “الدولة هتعطي الشعب فلوس وهي تعمل بيها اللي هما عايزينه، الدولة بتتخلص من عبء تنظيم العملية نفسها، وممكن تعطي الفرد فلوس أقل من اللي كانت بتتكلفه في الدعم العيني، هيكون استفادة للدولة من جميع النواحي”، مضيفًا أن فكرة بيع العيش بالوزن هي فكرة للقضاء على التلاعب بوزن رغيف الخبز.
تطبيق منظومة التحول النقدي مدى الحياة
قال الدكتور الدمرداش ردًا على أن هل استراتيجية الدعم النقدي ستستمر لو اتطبقت على المدى الطويل ولا هترجع تاني للدعم العيني، وقال: “اعتقد إلغاء الدعم تمامًا ومن الأفضل التركيز على زيادة المرتبات لجميع المواطنين، مما يضمن تحسين مستوى المعيشة للجميع”.
التحديات التي تقف عقبة في تطبيق الدعم النقدي
قال الدمرداش: “إن المشكلة الوحيدة اللي تعترض طريق الحكومة لتنفيذ منظومة الدعم النقدي هو توفير الموارد المالية“.
وفي محل نقاش كبير في هذا الموضوع تتضارب الأقوال بين مؤيد ومعارض لفكرة الدعم النقدي، ولكن يبقى السؤال والتخوف الوحيد عند المواطن المصري في حال تطبيق هذا المشروع أين ستختفي الرقابة؟؟؟!
Discussion about this post