أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، اليوم الثلاثاء، دراسة حول تأثير أزمة كوفيد 19 على قطاع المطاعم والكافيهات، وهو العدد رقم 16 ضمن سلسلة التقارير التحليلية “رأى فى أزمة” التى بدأها المركز منذ منتصف مارس بمبادرة منه، بهدف دراسة تأثيرات تفشى الفيروس على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
ويعد قطاع المطاعم والكافيهات، من أكثر القطاعات المتضررة من تفشى الفيروس، لتعرضها إلى الغلق الكامل منذ منتصف مارس وحتى الأسبوع الأخير من يونيو، وهى من القطاعات كثيفة العمالة حيث يشتغل بها نحو 700 ألف عامل وفق الأرقام الرسمية بما يمثل 5% من إجمالى عدد العاملين بالمنشآت فى حين يقدر عدد العاملين بها وفق تقديرات غير رسمية بنحو 2 مليون عامل أى ثلاثة أضعاف الرقم الرسمى المعلن، وهو ما يرجع بشكل أساسى لطبيعة القطاع الذى يغلب عليه الطابع غير الرسمى وتشكل المؤهلات المتوسطة النسبة الأكبر من إجمالى الحالة التعليمية للعاملين بالقطاع بواقع 62%، ويتركز معظم هذا القطاع فى المنشآت الصغيرة والتقليدية بنسبة 97% من حجم المنشآت.
وتدلل الدراسة على الأهمية الاقتصادية للقطاع الخدمى فى توفير الطعام والشراب الجاهز، حيث بلغت مبيعات القطاع 8 مليار دولار عام 2018، كما يمثل الإنفاق الأسرى على الطعام خارج المنزل نسبة كبيرة من حجم الإنفاق على الأطعمة والمشروبات بكافة أنواعها، حيث تنفق الأسر سنويا نحو 200 مليار جنيه على الطعام والشراب، بنسبة تصل إلى 46% من حجم الإنفاق الكلى للأسر المصرية وفق بيانات مسح الدخل والإنفاق عن عام 2017/2018.
وأشارت الدراسة إلى ان حجم الاستثمارات فى قطاع المطاعم والكافيهات بلغ نحو 104 مليار جنيه فى عام 2017، ويقدر عددها بنحو 180 ألف منشأة على مستوى الجمهورية بما يمثل 5% من حجم إجمالى المنشآت الاقتصادية فى مصر، حيث يتواجد مطعم أو كافيه فى كل 400 متر تقريبا من مساحة الجمهورية المأهولة بالسكان، وينفرد القطاع الخاص بالسيطرة الكاملة على حجم القطاع، وبلغت قيمة الأصول الثابتة للقطاع حوالى 21 مليار جنيه، بينما تقدر القيمة المضافة الصافية له بحوالى 46 مليار جنيه، وفق التعداد الاقتصادى الأخير لجهاز الإحصاء، بينما تقدر مصروفاته بأكثر من 60 مليار جنيه.
وقسمت الدراسة هذا القطاع إلى 4 أنواع تتضمن: النوع الأول هو مطاعم الوجبات السريعة وبلغ إيرادات هذا النوع مليار دولار عام 2015، والنوع الثانى هى المطاعم الكلاسيكية التى تقدم وجبات مترابطة وفق أسعار ثابتة وبلغت إيراداتها 823 مليون دولار عام 2015، والنوع الثالث هو الكافيهات الحديثة المختصة بتقديم مشروبات وبعض المأكولات الخاصة ولا تعتبر مطاعم، وتوفر خصوصية فى أماكن الجلوس وبلغت إيراداتها 1.338 مليار دولار فى 2015، وأخيرا القهاوى الشعبية والتى تتسم بالهشاشة الشديدة وعدم القدرة على تلقى الصدمات، ولا يوجد تقدير لقيمة إيراداتها السنوية.
وتشير الدراسة إلى عدد من التطورات التى شهدها القطاع خلال العقود الماضية، والتى تتمثل أهمها فى زيادة الأهمية النسبية لمبيعات المطاعم والمشروعات عبر شبكة الإنترنت “الأونلاين” خلال السنوات الأخير، وبعيدا عن الكورونا كان متوقعا وصول مبيعاتها خلال عام 2020 إلى حوالى 81 مليون دولار ويصل عدد مستخدميها لحوالى 3.5 مليون شخص.
وبتحليل تأثير مرحلتى ثورة 25 يناير 2011، وبداية الإصلاح الاقتصادى وفى القلب منه تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016، على القطاع، بما لهما من تأثيرات على القطاع لارتباطهما بدخول الأفراد والقوة الشرائية للمستهلكين وارتفاع معدل التضخم، فضلا عن اللوجستيات المرتبطة بالحصول على الغذاء، فإن الأزمتين أدتا لانخفاض درجة الاستقرار الوظيفى لغلبة القطاع غير الرسمى الذى يسيطر على مساحة كبيرة من القطاع، مما يعنى انتقال العمالة غير الرسمية من أعمال منتظمة إلى أخرى غير منتظمة مما يثبت حرمانهم من دخل ثابت.
وأوضح التحليل أن بداية التأثير العنيف للأزمة الحالية على القطاع حدثت من منتصف مارس مع بداية الإغلاق والإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة، حيث شهدت المطاعم ذات الخدمات المتكاملة تراجعا فى إيراداتها يقدر بحوالى 80% أو أكثر، كذلك تراجع أعداد العاملين بنسب أكبر من مطاعم الوجبات السريعة تصل إلى 60% فى بعض المطاعم نتيجة زيادة عدد العاملين فى الصالة فى تلك المطاعم عن غيرها، بينما كان الوضع أسوأ بالنسبة للكافيهات والقهاوى الشعبية حيث وصلت نسبة الخسارة إلى 100%، ولجأ العديد من أصحابها “خاصة القهاوى الشعبية” إلى تغيير نشاطها بتحويل المنفذ إلى سوبر ماركت أو منفذ بيع خضراوات أو إغلاقه نهائيا وتسريح العمالة.
وحدث أيضا تراجع شديد فى حجم الطلب على مطاعم الوجبات السريعة “الديلفرى” خلال نفس الفترة لكن بنسبة أقل من المطاعم ذات الخدمات المتكاملة، وتراوحت نسب الانخفاض بين 50 % إلى 65% من إيراداتها اليومية خاصة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من الأزمة، وذلك وفقا لطبيعة المنفذ وجودته ومستوى الإجراءات الصحية فيه، وإمكانية توصيل الطلبات للمنازل بشكل أسرع، كما شهدت تلك الفترة تراجعا فى أعداد العاملين خاصة عمال المطبخ والصالة بنسب تنحصر ما بين 20 %و40% بينما بقيت نسب عمال الدليفرى كما هى إلى حد ما وإن كان معظمها عمالة غير منتظمة وبعقود مؤقتة.
وشهدت الفترة من منتصف مايو وحتى 27 يونيو مزيدا من الخسارة لأصحاب المطاعم والكافيهات، نظرا لبلوغ المرض ذروته وارتفاع نسب الإصابة، ثم شهدت مرحلة ما بعد 27 يونيو حتى الآن بداية فتح جزئى للأنشطة بنسب إشغال 25% مع بعض الإجراءات الاحترازية، وبدأت مرحلة التعافى النسبى مع مزيد من المبيعات مقارنة بالفترة السابقة وزيادة بسيطة فى نسب العمالة.
ويتوقع التحليل سيناريوهين لمرحلة شهر أغسطس المقبل، السيناريو الأول متفائل يتوقع فيه انحسار تفشى المرض وتخفيف الإجراءات الاحترازية، وهو ما يترتب عليه عودة تدريجية للمعدلات الطبيعية للقطاع وزيادة بسيطة فى حجم العمالة بالنسبة للمطاعم، بينما تبقى إيرادات القهاوى والكافيهات منخفضة نظرا لعدم السماح بتقديم الشيشية التى تشكل نسبة كبيرة من إيراداتها.
أما السيناريو الثانى “المتشائم فى هذه المرحلة، يتوقع فيه استمرار الوضع كما هو مع استمرار تفشى المرض، وفى هذه الحالة من المرجح عدم زيادة نسب المبيعات مقارنة بشهر يوليو، وكذلك عدم زيادة نسب العاملين.
أما مرحلة التعافى اعتبارا من بداية سبتمبر وحتى منتصف يونيو2021، فيشير التحليل إلى أنه فى حالة السيناريو المتفائل تعود معدلات النمو السنوية لطبيعتها وتحقيق التعافى الكامل خلال الربع الثانى أو الثالث من عام 2021، وفى حالة السيناريو المتشائم يتوقع أن يزيد حجم المشاكل المرتبطة بالقهاوى الشعبية والكافيهات، وقد تطال تلك المشاكل بعض المطاعم الشعبية الصغيرة نتيجة زيادة الالتزامات فى ظل تراجع مستويات الدخول، وزيادة أعداد العاطلين، وتحقيق نسب التراجع المحققة خلال السيناريوهات السابقة.
وطالبت الدراسة بمجموعة من التدخلات المطلوبة لتخفيف آثار الأزمة على القطاع، من منطلق كون التشغيل هدفا قوميا فى هذه المرحلة، نظرا لارتباط أزمة كورونا بفقدان الكثير من الوظائف، وتتمثل الإجراءات المطلوبة فى الآتى:
تقديم حزم تمويلية مميزة تتناسب مع طبيعة نشاط المطاعم والكافيهات تمكنها من زيادة مبيعاتها، وكذلك إعفائها من الالتزامات السيادية من ضرائب وغيرها وبدون فرض غرامات للتأخير.
تقديم الدعم بكافة أنواعه لأصحاب المطاعم والكافيهات حتى لو كانت غير رسمية، كتقديم دعم مالى لمرة واحدة على سبيل المثال، مما يشجع هذه المنشآت على أن تتحول للقطاع الرسمى، وتقديم تعهدات بفرص دعم أكثر فى حال انتقال المنفذ إلى القطاع الرسمى.
تسهيل الإجراءات الرقابية والورقية على المنشآت القائمة وخاصة للقطاع غير الرسمى، على أن يكون الموظفون بالمنشأة مؤمن عليهم من قبل صاحب العمل ويخضعون لقانون التأمينات، وكذلك تشجيع المنافذ المختلفة على التأمين على العمالة المؤقتة.
ربط التسهيلات بعدد المشتغلين، والتوسع فى التشغيل والتوظيف.
تدعيم منظومة التجارة الإلكترونية بحيث تزداد نسب الشراء أونلاين بشكل أوسع.
وكشفت الأزمة أوجه الضعف المؤسسى بهذا القطاع والتى طالبت الدراسة بالتغلب عليها، وتتمثل فى الحاجة إلى تطوير المحليات وتبنى اللامركزية نظرا لحصول أكثر من 90% من المطاعم والكافيهات على تصريحاتها من الأحياء، حتى يتم تسهيل الإجراءات، بالإضافة إلى توحيد الشكل القانونى والإجرائى للمطاعم والكافيهات بغض النظر عن الجهة التى تمنح ترخيص المزاولة، وإنشاء قاعدة بيانات دقيقة عن المطاعم والكافيهات فى مصر وتوزيعها على الريف والحضر، بحيث يمكن استخدامها لتحديد أوجه المساعدة أو التدخل المطلوب خاصة وأن العديد من العاملين فى القطاع تحت مظلة العمالة غير الرسمية، وأيضا دعم دور هيئة حماية المستهلك والجمعيات غير الحكومية التى تعمل فى نفس الاتجاه لتحسين الخدمات.
ودعت الدراسة إلى إعادة النظر فى المعايير الخاصة بالدعم الحكومى للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر فى قطاع الأغذية والمشروبات، لكون تلك المعايير متحيزة للكيانات الكبيرة، كما طالبت بالاستعانة بتجارب الدول الأخرى فى استراتيجية دعم المنشآت الصغيرة فى ذلك القطاع، وتعزيز وتقوية التجارة غير الإليكترونية بشكل جذرى وتوفير منصات للتواصل بين سلاسل التوريد والمنافذ بشكل مباشر.
Discussion about this post