ما بين العقد والآخر، تتجدد خريطة الإنتاج الدرامي المصري تحديدًا بالموسم الرمضاني من كل عام، تغيرات بالميزانيات ودخول شركاء جدد في المشهد، وظهور نجوم واختفاء آخرين، وغيرها في كثير من الظواهر التي تجعلنا أمام تجارب أكثر تنوعًا وإختلافًا، ولكن يبدو أن رمضان المقبل “٢٠٢١” سيكتب عهدًا جديدًا وتغييرًا جذريًا في شكل الإنتاج المصري من الألف إلى الياء.
التغيير الذي يحمله الموسم الرمضاني المقبل لعله كان منتظرًا ومرغوبًا به منذ عدة سنوات خصوصًا وأن خريطة الإنتاج تغيرت جذريًا مع بداية عهد الألفية الجديدة واختلفت كليًّا في سنوات العقد الثاني منها والتي بالرغم من وجود بعض الحسنات لها، كظهور أسماء جديدة في مجال الإخراج والتأليف وأيضًا التمثيل إلا أنها تسببت في خسائر عدة على مستوى المنتج الإبداعي بشكل كبير، بخلاف تفاقم أزمات الإنتاج والديون ودخول من ليس لهم بيع في مجال الإنتاج به لمجرد حصد مجموعة من الأموال بخلاف توقف قطاع الإنتاج المصري ومدينة الإنتاج الإعلامي منذ سنوات طويلة.
جائحة كورونا
هناك عدة أسباب تجعل الموسم الرمضاني المقبل أكثر انضباطًا على رأسها وأبرزها الدرس المستفاد من جائحة “كورونا” والذي سيجبر صناع الأعمال على الدخول مبكرًا إلى بلاتوهات التصوير كما حدث بالفعل الآن في بعض الأعمال التي بدأت أو استنأفت أعمالها التي كانت قد توقفت بسبب هذه الأزمة وذلك تحسبًا لحدوث ظروف طارئة جديدة، ولاشك أن هذا الأمر سيجعل هناك أريحية في تقديم الأعمال على أكثر من مستوى في مقدمتها الحفاظ على الصحة العامة بعدم الارتباك وتكديس المشاهد جميعها في توقيت ضيق.
ومن ناحية أخرى، سيجعل جميع صناع العمل يقدمون أعمالهم وهم في حالة تركيز بعيدًا عن الارتباك والتصوير على الهواء “خلال عرض الحلقات” كما بات يحدث في السنوات الأخيرة دائمًا.
ثنائيات فنية تعيد ألق الدراما والنجوم
أما الجانب الآخر الذي سوف تشهده الدراما المصرية، ويحمل معه قدرًا كبيرًا من التفاؤل يتمثل في تغيير شكل ومقومات الخريطة الإنتاجية في مقدمتها مسألة ضبط الميزانيات، من خلال جمع أسماء نجوم “الصف الأول” في عمل واحد مثل أحمد السقا و أمير كرارة في “نسل الأغراب” أو هند صبري و أحمد عز في ” هجمة مرتدة “، و” القاهرة كابول ” ل خالد الصاوي وطارق لطفي وفتحي عبد الوهاب، وغيرها من الأعمال القادمة في الطريق التي تجمع مثل هذه الثنائيات كما في مشروع عمرو سعد ومصطفى شعبان.
ويحمل هذا التكتل الفني متنفس كبير على صعيد الميزانيات الاقتصادية في العمل والتي بدلًا من أن تكون موزعة على نجم بعينه يأخذ الجزء الأكبر منها، سيتم ضبط المشهد بتقسيم الميزانية بين نجمي العمل وميزانيته بالكامل، والتي بالتأكيد ستحمل معها تخفيضًا في الأجور خصوصًا في ظل خسائر مادية تسببت فيها أزمة “كورونا” بالتأكيد والتي أثرت على حيوات الجميع وبالتالي لن يتردد أحد في العمل مقابل أجر أقل نسبة من هذا الذي كان يأخذه من قبل.
الواقع يشير أيضًا، إلى أن الدراما المصرية كانت في أمس الحاجة لأعمال تعيد فكرة هذه الثنائيات مجددًا كما كان يحدث في مسلسلات حقبتي الثمانيات والتسعينات من القرن المنقضي، ففكرة أن يكون الفنان هو البطل الأوحد والأساسي والذي يشاركه مجموعة من أبطال الصف الثاني والثالث لم تعد مقبولة أولًا لأنه يحدث للمشاهد نوعًا من الملل تجاه نجمه الذي يعتقد أن سيظل محتفظًا بلياقته في الأداء رغم أن الواقع يشير لعكس ذلك، لهذا فأن فكرة “المبارزة التمثيلية” مطلوبة لكسر حاجز الملل واستعادة ألق النجوم.
هذا بخلاف أن تجارب الثنائيات الفنية هي أمر معمول به في السينما والدراما العالمية، حتى في تلك الأعمال التي باتت تعرض على المنصات الإلكترونية وهو جانب آخر من المؤكد أنه خطر برأس القائمين على المشهد الإنتاجي خصوصًا وأن أغلب جمهور الدراما حاليًا من المشتركين بهذه المنصات وبالتالي لابد أن يقدم لهم أعمال تحمل كثير من المتعة والإثارة لاستمرار دعمهم وجذبهم لمتابعة الدراما المصرية.
ظهور مبدعين جدد
تشكل هذه الثنائيات المقدمة محاور أخرى شديدة الأهمية، أبرزها ظهور مبدعين جدد بمعنى أن البطل لن يكون هو صاحب الإطلالة الأهم بل المؤلف والمخرج اللذان سيتشكل بناءً عليهم نجاح هذه الأعمال، وهذا يعني أننا سنقول مسلسل ل “اسم المخرج أو المؤلف” وليس البطل كالمعتاد.
وفي هذا الصدد سيكون هناك سببًا آخر للنجاح يتمثل في المنافسة الشرسة التي ستكون بين صناع الأعمال تحديدًا كتاب الدراما لتقديم أعمالًا جاذبة مما يعيد معه المساحة الإبداعية التي أختفت إلى حدًّا كبير في الأعوام الأخيرة وكان العوض فيها إلى اللجوء لأعمال مقصرة بشكل كبير لضمان نجاحها أو تخليق نص على مقاس بطله دون الاهتمام بمواصفات المنتج الفني.
الكوميديا
تراجع وخيبة أمل كبيرة أصابت محبي الدراما الكوميديا في الفترة الأخيرة بسبب ضعف الأعمال المقدمة، الأمر الذي أكد على وجود أزمة كبيرة في صناعة هذه الأعمال التي خوت من وجود مضمون وفكرة واكتفت بمجموعة من الإفيهيات والسخرية من “إكليشيهات” قديمة، والواقع يشير أن المشاهد لم تعد لديه مساحة من الصبر والتسامح لتقبل مثل هذه الأعمال.
وخير دليل على ذلك الانتقاد الذي وجه لجميع المسلسلات الكوميدية برمضان الأخير على رأسها “رجالة البيت” لـ أحمد فهمي وأكرم حسني وبيومي فؤاد والذي أدى لاعتذار فريق العمل للجمهور عن سوء المستوى الذي ظهر عليه العمل.
وفي هذا الصدد تشير التوقعات إلى إحتمالية تخفيض عدد الأعمال الكوميدية المشاركة إن لم تنعدم وجودها على الشاشة أو التفكير أيضًا في مشروع مختلف يجمع الوجوه التي أخذت مساحتها في الأعوام الأخيرة في هذه المنطقة ولكنه احتمال ضعيف إلى حدًّا ما خصوصًا مع إنعدام وجود كتاب كوميديا مخضرمين.
وفيما يتعلق بمسألة الوجوه الجديدة التي باتت تأخذها نصيبها من الفرصة والحظ في الأعوام الأخيرة فأنه لاشك أيضًا أنه سيكون هناك قراءة مختلفة لتواجدهم بالخريطة الرمضانية فالبعض سيتم تجميده وآخرون ممن يمكن استثمار نجاحهم سوف يحتفظون بمكانهم على الساحة خصوصًا وأن العام المقبل سيحمل أسماء لأغلب كبار النجوم وتحديدًا نجوم السينما أي أننا لسنا في حاجة لملأ مساحات لسد فراغ وتعبئة المشهد بأعمال تثير السخرية والانتقاد.
السوق العربية
شهدت العملية التسويقية في العقد الأخير كثير من التغيرات كان أبرزها تراجع استقبال الأعمال المصرية في خريطة السوق العربية بسبب ضعف وتراجع مستوى مثير من المسلسلات المصرية في الوقت الذي باتت الدراما العربية تحديًدا “اللبنانية والخليجية” تكتسح المشاهدات العربية، لكن مع توقف تصوير وإنتاج الأعمال العربية في ظل جائحة “كورونا” وما أعقبها من خسائر اقتصادية لن تكون قوة الإنتاج المقدم بالدراما العربية بنفس الذي كان عليه سابقًا مما يمنح فرصة أكبر لاستقبال الأعمال المصرية بالمحطات العربية.
هذا بالإضافة لتحمس المحطات العربية في شراء أعمال تجمع نجوم مفضلين لهم في أعمال مشتركة مما يعيد الأعمال المصرية في صدارة المشهد عربيًا، ويحقق أرباحًا كبيرة لصناعها.
الحدث الأبرز في خريطة الدراما الرمضانية المقبلة، تتمثل في التنوع الكبير الذي سيحمله هذا الموسم ما بين دراما سير ذاتية كما في مشروع “الإمبراطور” ل أحمد زكي، والأعمال الوطنية الممثلة في الجزء الثاني من مسلسل ” الاختيار ” وأيضًا مسلسل ” هجمة مرتدة ” أو التي تتناول قضية حية مثل “الإرهاب” كما في ” القاهرة كابول ” وكذلك الدراما الصعيدية التي تعود في مسلسل “نسل الأغراب” ، ونظيرتها التاريخية مثل مسلسل “خالد بن الوليد” وغيرها من الأعمال الاجتماعية الجاري تنفيذها والإعلان عنها خلال الفترة اللاحقة.
توازن إنتاجي
الموسم الرمضاني الأخير حمل توازنًا في عودة شركات إنتاج للمشهد، الأمر الذي سيحمل معه قدرًا من التوسع في المرحلة المقبلة شريطة أن يكون هناك توازن أيض في عملية التسويق داخليًّا وخارجيًا.
لعل رمضان ٢٠٢١ سيحمل معه قدرًا كبيرًا من التفاؤل في إعادة إحياء روح الدراما المصرية بتحالفاتها القديمة في شكلها المتطور عصريًا، موسم يشهد عودة الكبار ويفتح انطلاقة جديدة نحو الإبداع ويعيد ضبط المشهد الدرامي وصناعه ويضعهم في مرتبة أفضل من السابق.
Discussion about this post