دائمًا ما تُوصف أرض الفيوم بأنها أكبر واحة طبيعية خضراء على أرض مصر.. ومنذ قديم الأزل انتشرت آلاف القرى في جنبات تلك الواحة، منها ما هو قائم حتى الآن، فيما اندثر البعض الآخر، ومن بين تلك القرى المندثرة قرية “أوكسيرنخا” التي تم تحديدها مؤخرا بواسطة أوراق البردي وصور “جوجل إيرث”.
بدوره قال محمد رمضان العرجة، مدرس مساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم التاريخ إنه قام بتحديد قرية “أوكسيرنخا” المندثرة في الفيوم من خلال استخدام الوسائط الاليكترونية ومنها “جوجل إيرث” وغيرها، حيث أمكن تحديد تلك القرية، والتي كانت تقع في الجزء الجنوبي لمدينة أرسينوي القديمة (الفيوم حاليا)، والتي عُثر على الكثير من الوثائق البردية اليونانية التي ذٌكرتها دون التوصل للبقعة الجغرافية التي كانت تتواجد بها القرية.
وجاء اسم “أوكسيرنخا” من اسم المدينة العظيمة التي تقع في مصر الوسطي، ويؤكد محمد رمضان، أن اسم قري الفيوم يرجع لاسم مدن وقري في أقاليم مصر، وهذا يرجع لهجرة سكان من هذه المدن والقرى والاستقرار في الفيوم وإطلاق اسم مدنهم وقراهم على القرى التي سكنوها في الفيوم، وأوضح أن قرية “أوكسيرنخا” كانت تقع في إقليم “أرسينوي قسم بوليمون”؛ وذلك لما حددته الوثائق من قسمها الإداري منذ 140 سنة قبل الميلاد.
وقد أبقى البطالمة على التقسيم الإداري لمصر منذ عصر الفراعنة وهو مصر العليا ومصر السفلى، إلا إنهم زادوا على قسم مصر الوسطى، ونظرا لاتساع البقعة الجغرافية للأقاليم فقد تم وضع مصطلح الطوبارخية في التقسيم الإداري للقرى، وقد أمكن تحديد القرية المندثرة بأنها بالقرب من قرية “تطون” التابعة لمركز أطسا.
وتناول محمد رمضان في دراسته التي صدرت في كتاب عن دار العربي للنشر والتوزيع، دراسة لأحوال قرية مصرية قديمة في العصر البطلمي، حيث صور لنا كل تفاصيل الحياة اليومية لهذه القرية التي كانت تُسمي قديما “أوكسيرنخا”؛ حيث تحدث عن نشأة القرية، وموقعها والآراء التي اختلفت حول تحديد موقع القرية، واسمها ومصدر اشتقاقه، وحاول فيه الباحث بقدر ما توفر إليه من وثائق أن يحدد الموقع المحتمل لقرية “أوكسيرنخا” على خريطة الفيوم الحالية.
وتحدث رمضان عن النظام الإداري في مصر، ثم تطرق إلى النظام الإداري في إقليم الفيوم، مركزًا الحديث حول النظام الإداري في قرية “أوكسيرنخا” من خلال القسم والطوبارخية التابعة لهم، بالإضافة لدراسة الوظائف الإدارية التي وردت في وثائق القرية دون التوسع فيها إلا فيما يخص القرية فقط؛ لوجود دراسات سابقة لهذه الوظائف، مثل كاتب القرية والعمدة وشيوخ القرية، والإدارة الأمنية للقرية، والإدارة المالية، وأخيرا الحديث عن مظاهر انحرافات موظفي قرية “أوكسيرنخا” التي وردت في الوثائق البردية.
ويوضح محمد رمضان أن النشاط الاقتصادي بالقرية المندثرة، وهو أكثر موضوعات الدراسة ثراًء بالوثائق، مثل أنواع الأراضي بها والضرائب المفروضة عليها، وأهم المحاصيل، والثروة الحيوانية في القرية، والنشاط التجاري والصناعي في القرية، وكذلك الحرف والمهن التي مارسها سكان قرية “أوكسيرنخا”.
كما تطرق للحياة الاجتماعية لسكان القرية، من خلال دراسة عناصر السكان وأعدادهم، وطبقاتهم سواء كانوا إغريق أو مقدونيين أو مصريين، وبعض المظاهر الاجتماعية في القرية، وعلاقة سكان القرية بغيرها من قرى إقليم الفيوم، وكذلك التعليم في القرية، ومعتقداتهم الدينية.
استعان الباحث محمد رمضان العرجة بمنهج البحث التاريخي من خلال حصر شامل لجميع الوثائق التي وردت بقرية “أوكسيرنخا” من جميع مجموعات البردي المنشورة، فضلاً عن الوثائق الجديدة الخاصة بالقرية، والتي نشرت في مقالات بعض الدوريات الأجنبية، ثم تحليل هذه الوثائق، ونقدها، واستخراج المعلومات، ومقارنتها بغيرها من القرى في أقاليم مصر المختلفة واستنباط النتائج منها.
ومن أهم المهن التي حافظت عليها قرية “أوكسيرنخا” هي مهنة التحنيط التي استمرت منذ العصر الفرعوني حتى العصر البطلمي والروماني، ونظرا لكثافة سكانها فقد كانت نحو 314 سيدة تمتهن حرفة نسيج الصوف.
كما تناول الباحث وتتبع دور الجامعة المصرية ممثلة بكلية الآداب بقسميها التاريخ والآثار في الكشف عن العديد من القرى والمدن الأثرية في مدينة الفيوم، ونشر عدة مراسلات ووثائق تنشر لأول مرة توضح هذا الدور.
Discussion about this post