على مدار السنوات الثماني الماضية، سعت الدولة المصرية لبناء اقتصاد وطني يتمتع بمقومات تنافسية ومرنة، تساهم في تعزيز مستويات النمو في مختلف القطاعات، وتحسين مناخ الاستثمار، وذلك من خلال حزمة من الإصلاحات الشاملة، والحوافز الاستثمارية المتنوعة، فضلًا عن مواصلة جهود رفع كفاءة سوق العمل، وتدعيم مصادر النقد الأجنبي، علاوة على تبني الدولة لخطط التنمية في إطار عمل تشاركي بين مختلف قطاعاتها وشركاء التنمية داخليًا وخارجيًا، مما شكل حجر الزاوية في القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات والتحديات العالمية الراهنة والتي أضرت بمختلف اقتصادات العالم، خصوصًا مع المساعي الحثيثة التي تبذلها الدولة لاحتواء مختلف التداعيات السلبية اقتصاديًا واجتماعيًا، لتنعكس هذه الجهود على نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري وإدارته للمخاطر المترتبة على المتغيرات الدولية خاصة على الصعيد الاقتصادي.
وفي هذا الصدد نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريرًا، تضمن “إنفوجرافات”، تتناول كشف حساب الاقتصاد خلال الـ8 سنوات الماضية، وما يثبته من قوة ومرونة في مواجهة الأزمات، في ظل توالي الأزمات التي تضرب اقتصادات العالم.
وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد المصري يحقق أعلى معدل نمو منذ 14 عامًا على الرغم من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ يفوق معدل النمو الاقتصادي معدل النمو العالمي المتوقع أن يبلغ 3.2% عام 2022، ليحقق 6.6% في عام 2021/ 2022، مقارنة بـ2.9% عام 2013/2014.
يأتي هذا فيما ازداد الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بأكثر من 3 أضعاف، إذ بلغ 7.9 تريليون جنيه “بيان مبدئي” عام 2021/2022، مقابل 2.2 تريليون جنيه عام 2013/2014.
وأبرز التقرير استمرار تحقيق مستويات منخفضة لمعدل البطالة والوصول لأقل معدل خلال أكثر من 30 عامًا، ليسجل 7.4% عام 2021، مقابل 13% عام 2014، فيما سجل معدل البطالة 7.2% في الربع الثاني عام 2022.
ولفت التقرير إلى احتواء معدل التضخم ضمن مستهدفات البنك المركزي المصري 7% (±2%) لنهاية عام 2022، إذ سجل 8.5% عام 2021/2022، مقابل 10.1% عام 2013/2014، في حين شهدت أسعار الفائدة على الإيداع لليلة واحدة ارتفاعًا بهدف احتواء معدل التضخم بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، لتسجل 11.25% في 18/8/2022، مقابل 9.25% في 17/7/2014.
وألمح التقرير إلى أن تعظيم الإيرادات والسيطرة على المصروفات ساهما في خفض مستويات العجز الكلي والدين الحكومي، وفيما يتعلق بالمصروفات العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 22.8% عام 2021/2022، مقابل 32.9% عام 2013/2014، وساهم ترشيد المصروفات في تحقيق فائض أولي بالموازنة العامة.
أما الإيرادات زادت بنحو ثلاثة أضعاف عام 2021/2022، مقارنة بعام 2013/2014، إلا أنها انخفضت كنسبة للناتج المحلي الإجمالي لنموه بنسبة كبيرة، إذ بلغت 16.7% عام 2021/2022، مقابل 21.4% عام 2013/2014.
ووفقًا للتقرير، فإن الميزان الأولي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي شهد تحقيق فائض أولي رغم تحقيق الاقتصادات المتقدمة عجزًا أوليًا بنسبة 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022، إذ سجل 1.3% عام 2021/2022، مقابل تسجيل عجز بنسبة 3.9% عام 2013/ 2014.
كما تعد نسبة العجز الكلي من الناتج المحلي الإجمالي في مصر أقل من نسبة العجز الكلي بالاقتصادات الناشئة (غير شاملة دول الشرق الأوسط النفطية) البالغة 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022، حيث سجل 6.1% عام 2021/2022، مقابل 12% عام 2013/2014.
وإلى جانب ما سبق، أظهر التقرير أن معدلات الدين في مصر أقل من المعدلات العالمية، إذ سجل الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 87.2% عام 2021/2022، مقابل 89.3% عام 2013/2014، لافتًا إلى أن نسبة الدين الحكومي العالمي من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 من المتوقع أن تصل إلى 94.4%، كما من المتوقع أن تصل نسبة الدين الحكومي للاقتصادات المتقدمة من الناتج المحلي الإجمالي 115.5% عام 2022.
وتطرق التقرير إلى نجاح سياسة تحرير سعر الصرف في تحقيق تراكم لصافي الاحتياطيات الدولية، إذ بلغ 33.1 مليار دولار (بيان مبدئي) في يوليو 2022، مقارنة بـ16.7 مليار دولار في يوليو 2014، كما بلغت عدد شهور الواردات السلعية التي يغطيها صافي الاحتياطيات الدولية 4.6 شهر (بيان مبدئي) في يونيو 2022، مقارنة بـ3.3 شهر في يونيو 2014.
وسلط التقرير الضوء على تحول الجنيه المصري من أسوأ العملات أداءً عام 2014 إلى ثاني أفضل العملات أداء في العالم أمام الدولار (سعر البيع)، إذ انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل حاد، جعله أحد أسوأ عشر عملات أداءً على مستوى العالم خلال 2013، وفقًا لـ”بلومبرج”.
وأشار التقرير إلى أن سعر الصرف بلغ 7.18 جنيه في نهاية ديسمبر 2014، وفي سبتمبر 2015 جاء الجنيه المصري مبالغ في قيمته مع تراجع قيم عملات الأسواق الناشئة، وفقًا لبلومبرج، وفي الشهر ذاته عادت السوق السوداء للدولار بعد توقف دام 8 سنوات وفقاً لفينانشال تايمز.
وأوضح التقرير، أنه تم تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016، بينما بلغ 18.38 جنيه في نهاية ديسمبر 2016، في حين جاء الجنيه المصري في يناير 2020 ضمن أفضل عملات العالم أداءً أمام الدولار خلال عام 2019 وفقاً لبلومبرج، كما بلغ 15.76 جنيه في نهاية ديسمبر 2021، وسجل الدولار 19.26 جنيه في 31 أغسطس 2022 عقب الأزمة الأوكرانية التي بدأت في فبراير 2022.
وأضاف التقرير أن مصادر النقد الأجنبي تضاعفت بما يعزز من صلابة وضع مصر الخارجي، مشيرًا إلى تحقيق الصادرات المصرية أعلى مستوى لها خلال 26 عامًا، مسجلة 47.1 مليار دولار في (يوليو – مايو) عام 2021/2022، مقابل 25.8 مليار دولار في (يوليو – مايو) عام 2013/2014، وإلى جانب ذلك سجلت تحويلات العاملين بالخارج 31.9 مليار دولار في 2021/2022، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، مقارنة بـ 18.5 مليار دولار في 2013/2014.
وفي سياق متصل، سجلت إيرادات قناة السويس أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2021/2022، بقيمة 7 مليارات دولار، مقابل 5.3 مليار دولار في عام 2013/2014، فضلاً عن انتعاش إيرادات السياحة بعد النجاح في إدارة أزمة كورونا، مسجلة 8.2 مليار دولار (بيان مبدئي) في (يوليو- مارس) 2021/2022، مقابل 3.4 مليار دولار في (يوليو- مارس) 2013/2014.
وأيضًا، تعافى صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ برغم الأزمات المتوالية ليسجل 7.3 مليار دولار (بيان مبدئي) في (يوليو- مارس) 2021/2022، مقارنة بـ3.1 مليار دولار في (يوليو- مارس) 2013/2014.
وكشف التقرير، تراجع أداء أهم العملات العالمية أمام الدولار بما فيها الجنيه بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، مُشيرًا إلى التغير منذ بداية الأزمة في 25 فبراير وحتى نهاية أغسطس 2022، فمن بين الدول التي شهدت عملاتها تراجعًا كل من قطر والكويت ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة والتشيك وبولندا والمجر وتركيا.
وفي السياق ذاته، شهدت عملات كل من إندونيسيا والهند وماليزيا والصين وتايوان والفلبين وتايلاند وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وبيرو وتشيلي وكولومبيا وجنوب إفريقيا والبرازيل وكندا تراجعًا أيضًا.
بينما تحسن أداء عملات كل من روسيا والمكسيك، فيما شهدت عملات كل من الإمارات وعمان، والبحرين والسعودية والأردن استقرارًا.
ولفت التقرير إلى أن الدين الخارجي لمصر ضمن الأفضل مقارنة بأبرز الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم، وتم اختيار الدول وفقًا لتصنيف “مورجان ستانلي” للأسواق الناشئة، إذ بلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي “وفقًا لأحدث بيانات متاحة عام 2022” 34.6% في مصر، فيما سجلت البرازيل 18.7%، وتشيلي 84%، وكولومبيا 50.7%، وبيرو 45%، وتايلاند 38.7%، والمجر 61%، وجنوب إفريقيا 38.1%، وتركيا 56.8%، والهند 19.9%، وإندونيسيا 31.8%، وماليزيا 67.7%، والفلبين 27.5%.
يذكر أن الدين الخارجي في مصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ما زال في النطاق الآمن، وفقاً لتصنيف صندوق النقد الدولي.
وأشار التقرير إلى تحسن الرؤية الدولية للاقتصاد المصري خلال 8 سنوات، إذ خفضت فيتش في يوليو 2013 التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى -B مع نظرة مستقبلية سلبية، حيث يعكس خفض التصنيف تزايد المخاطر السلبية على الاقتصاد وارتفاع نسبة العجز والنقص الحاد في مصادر النقد الأجنبي، كما أن عدم الاستقرار سيجعل من الصعب تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، بينما في أبريل 2022 ثبتت “فيتش” التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، مُوضحة أن تصنيف مصر مدعومًا بسجلها الأخير من الإصلاحات المالية والاقتصادية، واقتصادها الكبير المحقق لنمو قوي، إلى جانب دعم الشركاء الإقليميين والدوليين.
يأتي هذا فيما شهد مايو 2013، خفض “ستاندرد آند بورز” التصنيف الائتماني لمصر عند + CCC مع نظرة مستقبلية مستقرة، مرجعة ذلك إلى تدهور احتمالية تحقيق السلطات المصرية لأهدافها المالية أو القدرة على تخفيف الضغوط والالتزامات الخارجية، بينما ثبتت “ستاندرد آند بورز” في أبريل 2022 التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى B مع نظرة مستقبلية مستقرة، مُشيرة إلى أن نظرتها تأتي انعكاسًا لاستجابة الدولة المصرية للأزمات جنبًا إلى جنب مع دعم الشركاء الدوليين مما سيمنع أي تدهور مادي ناتج عن ارتفاع الأسعار.
كذلك اختلفت رؤية “موديز”، ففي مارس 2013 خفضت التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى Caa1 مع نظرة مستقبلية سلبية، وأرجعت تلك النظرة إلى أن حالة عدم الاستقرار المستمرة أدت إلى إضعاف الاقتصاد المصري بشكل كبير، فضلًا عن تدهور وضع مصر الخاص بالتزاماتها الخارجية، أما في مايو 2022، ثبتت التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى B2 مع نظرة مستقبلية سلبية، مشيرة إلى إنه لا يزال الملف الائتماني المصري مدعومًا بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والنمو القوي وقاعدة التمويل المحلية الكبيرة، كما تمت استعادة تحقيق فوائض أولية بالموازنة قبل جائحة كورونا ومن المرجح أن تستمر.
وإلى جانب ما سبق، ووفقًا للتقرير، أشار صندوق النقد الدولي عام 2013 إلى أنه لا تزال الآفاق الاقتصادية لمصر مليئة بالتحديات بسبب حالة عدم الاستقرار والتأخر في تنفيذ الإصلاحات، وأن هناك حاجة ماسة لتنفيذ برنامج اقتصادي شامل، بينما أشاد الصندوق عام 2022 باتخاذ مصر عدة إجراءات اقتصادية لمواجهة الأزمات المتلاحقة، مُعتبرًا أن تلك الإجراءات تمثل خطوات جديرة بالترحيب بما تحققه من توسع في الحماية الاجتماعية الموجهة لمستحقيها وتطبيق مرونة حركة سعر الصرف.
أما البنك الدولي اعتبر خلال عام 2013 أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر قليلة مقارنة بتوقعه عام 2022، أن تزداد نسبة الاستثمارات الأجنبية من الناتج المحلي الإجمالي المصري بدءًا من عام 2021/2022 وحتى عام 2023/2024.
بدوره، أشار بنك التنمية الإفريقي عام 2013 إلى توقعات بتراجع نمو الاقتصاد لمصر في ظل حالة عدم الاستقرار، بينما أكد خلال عام 2022 أن آفاق مصر الاقتصادية إيجابية ومن المتوقع انتعاش اقتصادها، نظرًا لما أظهرته مصر من صمود في مواجهة أزمة كورونا، كما توقعت أن ينخفض العجز المالي وأن تستمر مصر في تحقيق فائض أولي.
وعلى صعيد متصل، أكدت “فيتش” عام 2014 أن الاقتصاد المصري يمر بفترة صعبة مع استمرار المخاوف المحيطة بانخفاض قيمة العملة وتقويض أنماط الاستثمارات، فيما أشارت في عام 2022 إلى تحسن إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن أن الدعم الإقليمي والدولي لمصر سيسمح لها بتغطية التزاماتها الخارجية.
كما أشار التقرير إلى خروج مصر من مؤشر “جي. بي. مورجان” لعدم الوفاء بمتطلبات المؤسسة عام 2011، فيما انضمت مصر عام 2021 لمؤشر “جي. بي. مورجان” للسندات الحكومية بنسبة 1.85%، والبيئة والحوكمة بنسبة 1.18%.
وإلى جانب ما سبق، رأت مجموعة “أكسفورد” للأعمال عام 2013 أن مصر تواجه صعوبات ومخاوف مالية تقيد النشاط المالي والاقتصادي، مقابل تأكيدها عام 2022، أن الاقتصاد المصري أثبت قدرته على الصمود أمام أزمة كورونا، مدعومًا بالإصلاحات الاقتصادية الطموحة طيلة السنوات التي سبقت الأزمة.
Discussion about this post