افتتح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف والدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، دورة اللغة العربية الثانية للأئمة بمركز المؤتمرات بالمدينة الجامعية بجامعة القاهرة، اليوم، الأحد 28 أغسطس 2022م، لـ 50 إمامًا، والتي تستمر لمدة خمسة أيام، حتى الخميس 1 سبتمبر.
وكان ذلك بحضور الدكتور عبد الله التطاوي، المستشار الثقافي لرئيس الجامعة، وجمال الشاذلي، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، وأحمد درويش، عضو مفوضية اللغة العربية بجامعة القاهرة، ومعتز سيد عبد الله، مساعد رئيس الجامعة لشئون أعضاء هيئة التدريس والعاملين، والمهندس أحمد تركي، أمين عام الجامعة، والدكتور عبد الله حسن، مساعد الوزير لشئون المتابعة، والدكتور السيد مسعد، وكيل وزارة الأوقاف بمديرية أوقاف الجيزة، وعدد من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وقيادات وزارة الأوقاف.
وفي كلمته، هنأ وزير الأوقاف رئيس جامعة القاهرة بالتقدم الملحوظ الذي شهدته جامعة القاهرة في الآونة الأخيرة، مقدمًا خالص الشكر والتقدير على حفاوة الاستقبال وإقامة هذه الدورة بجامعة القاهرة، مشيدًا بالنخبة من علماء جامعة القاهرة الذين تم اختيارهم ليحاضروا في هذه الدورة، مؤكدًا أن مصر الآن في أزهى عصور احتضان الفكر الديني الوسطي المستنير، وتحمل لواء التجديد في العالم كله.
ثم شرع في محاضرته، مبينًا أن الحكيم من يأخذ الناس بالأيسر ويأخذ نفسه بالأحوط، كما أكد أن أخطر أنواع الاستعلاء الاستعلاء بالدين أو بالعلم أو بالعبادة.
وتحدث وزير الأوقاف عن اللغة والهوية، وأهمية اللغة العربية في فهم النص ومثل لذلك بعدة نماذج منها قول الله تعالى في سورة مريم عن سيدنا زكريا (عليه السلام): “قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً”، وفي سورة آل عمران: “قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا”، ففي هذا النص القرآني الكريم عبر في سورة مريم بـ: “ثَلَاثَ لَيَالٍ”، وفي سورة آل عمران بـ: “ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ”، ذلك أن في أيام العرب وحسابهم الليل يسبق النهار، فنحن في شهر رمضان المعظم، فعند أول ليلة منه نستطلع الهلال، فإن ثبت الهلال صلينا التراويح لأنها أول ليلة من رمضان، ونتبعها بصوم اليوم الذي بعدها، وهكذا في هلال شوال حيث يكون في آخر يوم من رمضان، ونستقبل أول ليلة من شوال التي هي ليلة العيد، فالليالي سابقة على الأيام، وهنا سورة مريم (عليها السلام) نزلت في مكة، وسورة آل عمران نزلت لاحقًا في المدينة، فعبر في سورة مريم بالليالي السابقة في الزمن مع السورة السابقة في النزول، وعبر في سورة آل عمران اللاحقة في النزول بالأيام وهي لاحقة في الزمن، فجعل سبحانه السابق للسابق، واللاحق للاحق، فكل لفظة وقعت موقعها طبقًا لسياقها، وهذا من عظمة بلاغة القرآن الكريم.
كما ذكر وزير الأوقاف نموذجًا آخر وذلك في قوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ”، ويقول تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ”.
فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة “فُتِحَتْ” بدون واو، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة “وَفُتِحَتْ” مسبوقة بالواو، قال بعض العلماء: إنها واو الحال، والمعنى: جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين، “جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ”، وأما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة.
وقال بعضهم: إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول العدد: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فنزل مراعيًا بعض لهجات القبائل.
ولهذا نظائر منها، قوله تعالى: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ” بدون واو في الموضعين: “وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التوبة: “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم: “عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا”، فذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن، وهي مع هذا تفيد التنويع؛ لأن النساء إما ثيباتٍ وإما أبكارًا، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضًا.
وأشار إلى أن كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه، يقول الحق سبحانه وتعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، فإذا كان هذا خطاب الله تعالى لعباده المسرفين فما بالنا بخطابه لعباده المؤمنين.
وأكد أن من يفهم الإسلام فهما صحيحًا يدرك أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والحال.
وأضاف أن ما كان راجحًا في عصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر أو حالة أخرى، وأن تنظيم شؤون حياة الناس في أكثر جوانبها فيه متسع كبير لمراعاة طبيعة الزمان والمكان، وأن الشرائع قد راعت تحقيق مصالح البلاد والعباد، فحيث تكون المصلحة المعتبرة فثمة شرع الله، وأهل العلم والفقه على أن باب الاجتهاد لم ولن يغلق، إذ لم يخص الله بالفكر والاجتهاد قوما دون قوم أو زمان دون زمان، ولا بد من مراعاة واقع الناس.
و يقول ابن القيم (رحمه الله): “ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف أعرافهم، وعاداتهم، وأزمنتهم، وأمكنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل، ويقول ابن عابدين (رحمه الله): إن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص، وإما أن تكون ثابتة بضرب من الاجتهاد والرأي، هناك ثوابت وهناك متغيرات، وكثير من هذه المتغيرات يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه، بحيث لو كان في زمان العرف الحادث، أي في زماننا لقال بخلاف ما قاله أولًا، ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد: إنه لا بد من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان.
من جانبه، أكد رئيس جامعة القاهرة أن التطوير للخطاب الديني وليس للدين نفسه، فنحن لا نقترب من الثوابت، وإنما حديثنا في المتغيرات وفهمنا للنصوص.
Discussion about this post