تحل بعد غد الثلاثاء الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو التى تعد نموذجا بارزا وسط تجارب التغيير التي حدثت في المنطقة، حيث كانت ثورة تصحيح المسار، والخلاص من تجار الدين التى انتشلت مصر من عثرتها والاختطاف، وحالت دون دخولها فى نفق الفاشية الدينية، وأنقذت مؤسسات الدولة المختلفة من الأخونة التى دأبت على ممارستها جماعة إرهابية حاولت خلال شهور حكمها تحويلها لمؤسسات تابعة لمكتب الإرشاد تتلقى منه التعليمات.
والثورة كانت بمثابة طوق نجاة أنقذ مصر والمنطقة العربية من مصير فوضوى محتوم ، وكانت انتصارا لإرادة شعب رفض التطرف والمتاجرة بالدين، وصمم على استرداد ما اختطفته الجماعة من ثمار ثورة ٢٥ يناير ، فمثلت بذلك خطوة فاصلة فى تاريخ واقتصاد مصر، ومحطة مهمة فى عودة توازن البلاد السياسى والريادى، وفتحت أبواب المستقبل أمام طريق البناء والتنمية بعدما كانت تعانى نقصا شديدا وحادا فى كل متطلبات الحياة من الكهرباء والبنزين لرغيف الخبز.
استرداد الدولة كان طريق محفوف بالمخاطر ملئ بالصعاب ، اقتحمه الرئيس عبد الفتاح السيسى ، وأصر على المواجهة ، وواجه التحديات بإصرار مدعوما بمسانده شعبية قوية حيث تطلب الأمر دعم الجميع ومن اليوم الأول تحمل الرئيس المسئولية لينقذ وطنا من الإنهيار، وتصدى لكل من يخطط لهدمها فى الداخل والخارج محاولا الزج بها فى طريق الفوضى ولا عودة، فكانت المصارحة فلسفته ومنهجه فى قيادة مصر وكان الصبر والتحمل من الشعب الذى ساهم فى عبور النفق المظلم.
أوقات عصيبة مرت على المصريين جعلت من الفترة الممتدة من ٣٠ يونيو إلى ٣ يوليو عام ٢٠١٣ أياما لاتنسى حفرت فى التاريخ لما حملته من دلالات ومعانى ، فقد مثل وصول الإخوان للحكم وضعا كارثيا للمصريين بسبب تولى رجل جاء بمحض الصدفة “كبديل” لتولى مقاليد الأمور، دون أن يكون مؤهلا لهذا المنصب الرفيع سياسيا أو بروتوكوليا، الأمر الذى جعل مكتب الإرشاد يقوم بدور محرك قطع الشطرنج على الرقعة السياسية التي شابها الكثير من الغموض والعوار والعوامل التى فاقمت الأزمة السياسية فتصاعدت حدتها.
فقد عاشت البلاد على مدى عام كامل تحت حكم جماعة سرية متطرفة تتاجر بالدين و بالوطن تبيع جغرافيته وتكره تاريخه، فغرقت البلاد فى حالة من التخبط والإنهيار السياسى فى ظل حكمها، لإفتقارها لأى رؤية مستقبلية لمصر حتى ما أطلق عليه ” مشروع النهضة ” لم يكن سوى مجرد دعاية انتخابية.
أخطاء متتالية وكثيرة لحكم الإخوان دفعت الشعب إلى إتخاذ قرار تصحيح الوضع والمطالبة بعزل الرئيس ، ومن تلك الأخطاء قهر الشعب بإسم الدين ، إنعدام الأمل ونقص المياة والكهرباء والطاقة والأمان ، التوقيع على وثيقة بيع سيناء لأمريكا، دعوة قاتلى الرئيس الرئيس الراحل أنور السادات بعد الإفراج عنهم من السجون إلى الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر ( ذات المناسبة التى اغتيل فيها السادات ) فى مشهد استفز المصريين ، تأزم قضية سد النهضة مع إثيوبيا بعد بث وقائع اجتماع رئاسى مع سياسيين على الهواء مباشرة لمناقشة القضية فى بدايتها فى عام ٢٠١٢ حيث اقترح هؤلاء السياسيون ضرب إثيوبيا بالطائرات فتأزمت القضية ، إصدار إعلان دستورى مكمل فى نوفمبر عام ٢٠١٢ يحصن كافة القرارات الرئاسية من الطعن أمام أى جهة متضمنا تحصين مجلس الشورى الذى استولى عليه الإخوان بحيث لايجوز لأى جهة قضائية حله ، عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ، وقضية التخابر وفتح السجون واتهام الجماعة بالإرهاب والتجسس.
إرهاصات الثورة بدأت بعد مرور عشرة شهور على حكم محمد مرسي وجماعته، بتأسيس حركة حملت اسم “تمرد” جمعت توقيعات قرارالمصريين لسحب الثقة منه ، مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، وتجاهل مرسي تلك التوقيعات ورفض إجراء الانتخابات المبكرة واصفا إياها بالمطالب العبثية، وعندما جمعت الحركة 22 مليون توقيع لسحب الثقة دعت الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو التى كانت الذكرى الأولى لتولى مرسى منصب رئيس الجمهورية.
فى مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات تجمع عدد كبير من معارضي نظام محمد مرسي ، مطالبين برحيله و بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، وبتنظيم من الأحزاب والحركات المعارضة نزلت جموع الشعب المصرى إلى الشوارع ، رافضه تعثر حكم الإخوان السياسى وإخفاقه الاجتماعى، فقد خرج المصريون ينقذون هويتهم الوطنية التى تمسكوا بها وحافظوا عليها على مدى التاريخ ، خرجوا لمواجهة فئة حاولت عبثا تغيير الشخصية المصرية ، وتغليب العنصر الإسلامى على باقى العناصر، وحاولت دحض فكرة الوطنية تحت وهم فكرة الخلافة، وتصادمها مع وسطية الدين بممارسات نابعة من التحالف مع السلفية المتشددة.
وتركزت التجمعات في ميدان التحرير وفي الميادين الرئيسية في عدد كبير من المحافظات ، فيما خرج أنصار مرسي في تظاهرات مؤيدة له في أماكن مختلفة أبرزها وأكبرها كان ميداني رابعة العدوية والنهضة وفي هذا اليوم وقع قتلى وجرحى ، وأحرقت مكاتب لجماعة الإخوان المسلمين، ومكتب الإرشاد بالمقطم وأسفرت الاشتباكات عن وقوع 10 قتلى.
وأصدر وزير الدفاع المصري آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي بيانا في الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة، ذكر فيه ” أنه من المحتم أن يتلقى الشعب ردا على حركته ومظاهراته وخروجه للشوارع ، وأن على كل طرف أن يتحمل قدرا من المسئولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن” ، وأشار البيان إلى أن “القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم ، وأن الأمن القومي للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التي تشهدها البلاد” ، و أثار هذا البيان فرحة واضحة بين المطالبين بإسقاط مرسى في جميع أنحاء البلاد، وارتفعت صيحات “الجيش والشعب إيد واحدة”.
وفي اليوم التالي ( الأول من يوليو عام ٢٠١٣)، قامت مظاهرات مؤيدة لمرسى وحملت شعارات “نبذ العنف” و”الدفاع عن الشرعية” ومع تأزم الوضع السياسى لم يكن فى مقدور القوات المسلحة أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني، واستشعرت أن الشعب يدعوها لنصرته والحماية الضرورية لمطالب ثورته، واستوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها، فاقتربت من المشهد السياسي آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة.
وعصرا أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا يمهل القوى السياسية مهلة مدتها 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي، وذكر البيان أنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات المسلحة ستعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها ، في أعقاب ذلك، طالب كل من حزب النور السلفي والدعوة السلفية الرئيس محمد مرسي بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة،إلا أن خطابا للرئيس السابق محمد مرسى امتد لساعتين ونصف جاء بما لا يلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، وعكس ذلك عجزا واضحا عن الإقرار بالواقع الصعب الذي تعيشه مصر وبفشله في إدارة شئون البلاد منذ أن تولى مهام منصبه قبل عام.
وجاء ذلك بناء على مابذلته القوات المسلحة سابقا وتحديدا منذ شهر نوفمبر من عام ٢٠١٢، من جهود مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي، وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة، و بدأت تلك الجهود بالدعوة لحوار وطني استجابت له كافة القوى السياسية الوطنية باستثناء مؤسسة الرئاسة التى رفضته في اللحظات الأخيرة ، وباءت جميع الدعوات والمبادرات التى توالت وتتابعت بعد ذلك بالفشل ، حيث تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة برفع تقرير حول الموقف الاستراتيجي على المستوىين الداخلي والخارجي للرئيس متضمنا أهم التحديات والمخاطر التي تواجه مصر على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.
وفي إطار متابعة تلك الأزمة اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة برئيس الجمهورية في قصر القبة يوم 22 يونيو عام 2013 طارحة رأي القيادة العامة فى هذا الصدد ومؤكدة رفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، ولترويع وتهديد جموع الشعب المصريين ، و كان الأمل معقودا على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لشعب مصر بما يحقق طموحه ورجاءه.
وتمسكت جبهة المعارضة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسئوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد، واتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصي أحدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام ، ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب في بيان كل مصري إلى تحمل مسئوليته “أمام الله والتاريخ والعالم” ، محذرا من الانجراف إلى الحرب الأهلية “التي بدت ملامحها في الأفق والتي تنذر بعواقب لا تليق بتاريخ مصر ووحدة المصريين ولن تغفرها الأجيال لأحد”، كما دعا بابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني المصريين إلى التفكير معا والتحاور معا ، وطلب منهم الصلاة من أجل مصر.
وفي الساعات الأولى من يوم 2 يوليو عام ٢٠١٣ ، أصدرت الرئاسة بيانا جاء فيه أن الرئاسة المصرية ترى أن بعض العبارات الواردة في بيان الجيش “تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب في حدوث إرباك للمشهد الوطني المركب”، وفى نفس اليوم أصدرت محكمة النقض حكما ببطلان تعيين النائب العام طلعت عبد الله، الذي شغل المنصب بعد عزل مرسي للمستشار عبد المجيد محمود ، ووقعت اشتباكات في محيط جامعة القاهرة استمرت إلى صباح اليوم التالي، أدت إلى مقتل 22 شخصا.
وفى يوم 3 يوليو، أعلن المتحدث العسكري أن قيادة القوات المسلحة تجتمع بقيادات وقوى سياسية ودينية شبابية بعد انتهاء المهلة التي منحتها القوات المسلحة للقوى السياسية، وفي حوالي التاسعة مساء بتوقيت القاهرة، أذاع التليفزيون المصرى بيانا ألقاه حينها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، أنهى فيه رئاسة محمد مرسي، وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها المجتمعون، شملت تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وأداء رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد على أن يكون لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية، و تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
وتشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا بسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، ووضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن ، و اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
وأهابت القوات المسلحة فى البيان الصادر عنها، شعب مصر بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء ، محذرة أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم لأي خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية ، وتبع ذلك البيان احتفالات في ميدان التحرير وعدد من المحافظات المصرية.
واليوم وبعد مرور سبع سنوات على إنقاذ مصر من حكم الإخوان ، وضح جليا مدى حرص القيادة السياسية على مدى تلك الأعوام على بناء الوطن والمواطن بشكل متوازى، فتم ترسيخ أركان الدولة واستعادة الأمن وإعادة تسليح القوات المسلحة المصرية بأحدث المعدات مع تنوع مصادر السلاح ، وتنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادى إنقاذا للاقتصاد، وإعادة التوازن فى العلاقات الدولية واستعادة دور مصر الريادى فى إفريقيا ، وتنفيذ منظومة عريضة من المشروعات القومية والمشروعات المرتبطة بالبنية التحتية.
فيما جاء الإهتمام ببناء المواطن من خلال فكر ممنهج، يتضمن الاهتمام بالشباب والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة، وإطلاق مبادرة ١٠٠ مليون صحة بروافدها المختلفة، والسعى لتنفيذ المشروع القومى للتأمين الصحى وتطوير التعليم والاهتمام بالتعليم الفنى وبالموهوبين والمبدعين والمبتكرين، والعمل على تنفيذ منظومة متكاملة من المشروعات القومية العملاقة وتحسين أداء مؤسسات الدولة تحت مظلة استراتيجية وطنية 2030.
Discussion about this post