عند منتصف الليل شعرت أم كريم، 60 عاما، بضيق تنفس، وآلام شديدة في صدرها، وظهرت عليها أعراض الإصابة بكورونا، فنقلت إلى المستشفى. وبقيت هناك لمدة 12 ساعة قبل أن تفارق الحياة.
وخلال الأيام اللاحقة، ظهرت نفس الأعراض على 14 فردا من أسرتها، وتأكدت إصابة اثنين منهم بكورونا بعد إجراء فحص PCR الذي يؤكد الإصابة بفيروس كورونا.
ورغم ذلك، لم تسجل هذه الوفاة على أنها وفاة جراء الإصابة بالفيروس، بل بسبب “التهاب رئوي”، فلم يسعفها الوقت لإجراء فحص كورونا، الذي تضع وزارة الصحة عدة شروط لإجرائه.
أم كريم هي واحدة من نحو 60 ألف حالة وفاة إضافية سجلها معدل الوفيات العامة في مصر أثناء ذروة انتشار فيروس كورونا خلال أشهر مايو/أيار، ويونيو/حزيران، ويوليو /تموز الماضية، وهو معدل يتجاوز بكثير متوسط الوفيات في نفس الأشهر، خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك فق إحصاءات رسمية أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبينما تظهر إحصاءات وزارة الصحة أن عدد الوفيات المؤكدة بالفيروس بلغ نحو 7300 حالة، يعتقد البعض أن الأرقام الحقيقية ربما تكون أكبر بكثير من تلك المعلنة، وهو ما ردت عليه الحكومة بأن الوفيات المسجلة تقتصر على من تأكدت إصابته قبل وفاته عبر فحص PCR في معامل ومستشفيات حكومية فقط.
ويقول الدكتور محمد النادي، عضو اللجنة الحكومية لمكافحة كورونا في تصريح صحفي، إن الأعداد الحقيقية للإصابات بكورونا في مصر قد تكون عشرة أضعاف الرقم الرسمي المعلن، الذي يحصي فقط من يتوجهون للعلاج أو الفحص داخل المنظومة الطبية الحكومية، فيما لا تُسجل الحالات التي تجري التحاليل وتتلقى العلاج في المستشفيات الخاصة.
ويضيف النادي أن ذلك بسبب وجود منظومة طبية خاصة موازية للمنظومة الحكومية للتداوي من معامل ومستشفيات وعيادات.
ويعتقد البعض أن قلة هذه الفحوص لعبت دورا في عدم تسجيل بعض الوفيات ضمن الإحصاءات الرسمية لضحايا الفيروس.
ووفقا لأطباء عملوا في المستشفيات الحكومية المخصصة للعزل لعدة أسابيع خلال الموجة الأولى من انتشار الوباء، توفي كثيرون داخل أقسام استقبال المرضى في المستشفيات، أو قبل وصولهم إليها، دون أن تجرى لهم تلك الفحوص ولم يسجل سبب هذه الوفيات على أنه جراء كورونا.
ويحكي شريف موسى، رئيس الفريق الطبي بمستشفى إسنا التخصصي لبي بي سي أن عدد من توفي بأعراض الفيروس دون أن يسجل في إحصاءات الوفيات به “أكبر بكثير ممن سجلوا. لم تكن المسحات تكفي الجميع، وبعض المرضى كانوا يأتون متأخرا، بسبب بعد المسافة بينهم وبين المستشفى، ويموتون فور وصولهم المستشفى قبل أن نسحب منهم العينة”.
ويضيف موسى: “الأوراق الرسمية اعتبرت أن الالتهاب الرئوي أو ضيق التنفس سبب وفاة هؤلاء”.
طبيب آخر طلب عدم الكشف عن هويته قال لبي بي سي إن بعض الحالات توفيت في العزل المنزلي قبل ظهور نتيجة الاختبار، أو قبل إجراء الاختبار أصلا، فلم تدرج هذه الحالات في إحصاءات كورونا أيضا.
في حالات مشابهة، اعتبر الأهالي سبب الوفاة وعكة صحية، وتم تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم بصورة طبيعية ودون إجراءات احترازية، وهو ما أدى إلى انتقال العدوى لمن شاركوا في ذلك، وفقا لأطباء تحدثوا لبي بي سي.
ويقول أحدهم: “ظهرت أعراض كورونا على أحد المرضى في قرية مجاورة للمستشفى الذي أعمل به، لكنه رفض الذهاب للمستشفى، واعتبر نفسه مصابا بأنفلونزا عادية، وتوفي خلال أيام. غُسل الرجل ودفن بطريقة طبيعية، وأقامت أسرته العزاء في سرادق كبير أمام البيت، دون اتخاذ أي إجراءات وقائية. بعدها بأيام تأكدت إصابة أفراد من أسرته بالفيروس، كما ظهرت أعراض المرض على عدد كبير من أبناء القرية”.
بعض وفيات الأطباء لم تسجل
وفق إحصاءات نقابة الأطباء، هناك أكثر من 240 حالة وفاة بين الأطباء بسبب كورونا. لكن النقابة تشكو عدم الاعتراف بوفاة 200 آخرين من أعضائها بالفيروس، لأنهم لم يتمكنوا من إجراء فحص PCR.
وقال أسامة عبد الحي أمين عام نقابة الأطباء لبي بي سي: “نحن متأكدون أن هؤلاء توفوا بسبب كورونا. تحاليل الدم الخاصة بهم، والأشعة المقطعية على الصدر تظهر وجود أعراض كورونا، وبعضهم حجز وتوفي في مستشفيات العزل،”.
ويطالب عبد الحي الحكومة باعتبار الأطباء الذين يتوفون بسبب الفيروس “شهداء”، ويتخوف من أن عدم الاعتراف بوفاتهم بالفيروس قد يحرم أسرهم من بعض التعويضات المادية والمعاشات.
هل الوباء سبب طفرة أعداد الوفيات العامة؟
يعتقد عبد الحي أن فيروس كورونا هو السبب في زيادة الوفيات العامة في مصر، لأنه المتغير الوحيد الذي طرأ خلال تلك الفترة (ما بين مايو/أيار ويوليو/تموز). ويقول: “لو رصدت وفيات أكبر من المعدلات الطبيعية، مع تثبيت العوامل الأخرى، في ظل وجود جائحة، فارتفاع أعداد الوفيات يكون بسبب الجائحة، حتى لو لم تجر لهم الفحوص”.
وفي المقابل، تقول جيهان العسال، نائبة رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا، إن الفيروس ربما ليس مسؤولا بشكل مباشر عن كل الوفيات الزائدة، وتفسرها بوفاة بعض أصحاب الأمراض المزمنة بسبب أمراضهم، بعد أن تجنبوا الذهاب للمستشفيات خوفا من الإصابة بكورونا.
وتقول العسال لبي بي سي: “هناك نوع من الذعر عند بعض الناس، هناك مصابون بأمراض في القلب مثلا، يرفضون الذهاب للمستشفى لإجراء الفحوصات، حتى لا يصابوا بعدوى كورونا هناك”.
ويقول مسؤولون آخرون إن توجه البعض للحصول على الرعاية الطبية خارج المنظومة الحكومية يصعب عملية إحصاء الإصابات والوفيات بكورونا.
وتعتبر وزارة الصحة حالات الإصابة بكورونا هي التي تؤكد عبر تحليل PCR في معاملها الرسمية التي كان عددها في مايو /أيار 30 معملا، وزادت تدريجيا حتى وصل عددها 60 معملا في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي .
ولا تأخذ إحصاءات الوزارة في الاعتبار نتائج الفحص نفسه إذا أجري في معامل المستشفيات الجامعية أو المعامل الخاصة، التي يبلغ عددها أكثر من 10 آلاف معمل على مستوى الجمهورية.
وبسبب ارتفاع تكلفة فحص PCR، وضعت الوزارة قيودا على استخدامه في مستشفياتها، واقتصر إجراؤه على بعض من تظهر عليهم أعراض متوسطة أو شديدة. كما اعتمدت على تحاليل أخرى مثل تحاليل الدم والأشعة المقطعية على الصدر، لتشخيص المرض وصرف الأدوية للمشتبه في إصابتهم بكوفيد-19.
وأدى ذلك لارتفاع نسب الوفاة بين مصابي كورونا، مقارنة بالمعدل العالمي، لذا تكررت مطالبات الصحة العالمية بزيادة الفحوص، التي ربما تؤدي إلى زيادة عدد الإصابات المسجلة أيضا.
ويرفض الدكتور محمد النادي الزعم بأن نسب الوفيات مرتفعة، باعتبار أنها تبلغ في مصر نحو 5.6%، بينما المعدل العالمي لنسب الوفاة يبلغ نحو 2.5 بالمئة. ويقول النادي إن مقارنة الوفيات بالأعداد الحقيقية وليس بالأعداد الرسمية للإصابات سينتج نسبة أقل كثيرا من حيث أعداد الوفيات.
كان وزير التعليم العالي قد أعلن في يوليو/تموز الماضي أن عدد مصابي الفيروس يقدر بما بين خمسة وعشرة أضعاف الرقم المعلن على أحسن تقدير.
وبعد دخول الموجة الثانية من انتشار الفيروس، تسير الحياة بشكل طبيعي في مصر دون إعادة فرض إغلاق، رغم التحذيرات الحكومية من تضاعف أعداد الإصابات والوفيات.
وتطالب بعض الأصوات على وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة فرض الإغلاق ولو بشكل جزئي، ولوقف الدراسة في المدارس مؤقتا، لكن الحكومة ترى أن ذلك ليس ضروريا في هذه المرحلة.
وبلغت إصابات وباء كورونا في مصر ذروتها في شهر يونيو/حزيران الماضي، حيث ارتفعت الإصابات اليومية لتقترب من 2000 حالة في اليوم، بينما اقتربت الوفيات من 100 وفاة يوميا، قبل أن تبدأ في التراجع تدريجيا في يوليو/تموز الماضي، لتنخفض دون المئة في سبتمبر/أيلول الماضي،
وتعود الأرقام إلى الارتفاع تدريجيا منذ أكتوبر/تشرين الأول، ويستمر منحنى صعودها الحاد في شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ سجلت وزارة الصحة يوم الخميس أكثر من 1000 إصابة يومية، ووفاة 51 شخصا.
Discussion about this post