أظهرت التقارير الطبية الصادرة من الصين وإيران ثم إيطاليا لاحقا والتي درست تداعيات كوفيد-19 على جسم الإنسان أن الأعراض المرتبطة بالفيروس يمكن أن تتشكل بطريقة واضحة للعيان عبر فقدان حاسّة الشم. لكن هل بمجرد زوال المرض والأعراض من المممكن أن تعود حاسة الشم ولنقل حتى الذوق إلى عملها الطبيعي كما كانت عليه في السابق؟
قبل كل شيء جدير بالذكر في هذا الصدد أنه في نيسان/أبريل الماضي أفاد باحثون أن فقدان حاستي الذوق والشم من بين أبرز أعراض الإصابة بفيروس “كوفيد-19”.
وأظهر اختبار شمل أكثر من 200 مريض في إيطاليا أن 67 في المائة منهم أكدوا عن حدوث تغير في حاستي الذوق أو الشم إما قبل أو بعد تأكيد إيجابية إصابتهم بفيروس كورونا المستجد
وخلص الباحثون إلى أنه “إذا تأكدت هذه النتائج، فينبغي النظر في الاختبار والعزل الذاتي للمرضى الذين يعانون من ظهور جديد لأعراض الذوق والشم المتغيرة خلال وباء كوفيد-19”.
اليوم وبعد أشهر من نتائج التجارب السريرية الصارمة أحيانا تمكّن العلماء من تفسير سبب فقدان بعض الأشخاص المصابين بكوفيد-19 لحاسة الشم.
والآن كشفت دراسة جديدة لفريق بحثي دولي يضم باحثين من أمريكا وبريطانيا عن أسباب حدوث ذلك عبر تفسيرات علمية دقيقة ترتبط أساسا بعمل الجهاز التنفسي وما يرتبط به من التهابات أواضطرابات في حركة مجرى الهواء بشكل عام.
من الناحية العملية إذن فغالبًا ما يكون فقدان حاسة الشم ناتجًا عن عدوى بفيروس ما يهاجم الجهاز التنفسي أو الجيوب الأنفية. وأكد الباحثون أن بعض الفيروسات هي من الأنواع التاجية لكنها ليست مميتة، تتسبب عادة في زكام وانسداد في الجيوب الأنفية بمصاحبة بعض الآثار الجانبية على صحة المريض من مثل الصداع والتقيؤ وغير ذلك من الأعراض التي لا تؤدي بالضرورة إلى موت صاحبها.
لكن الأعراض الناجمة عن العجز في الشمّ أضحت مشكلة كبيرة تؤرق كثيرا من الباحثين، ممن يعكفون على معرفة ارتباطها الوثيق بكوفيد-19 وهل تزول بزواله؟
كما ذكرنا آنفا فإن الفيروسات غر المؤدية للموت تتجلى أساسا في انسداد الأنف أي على عكس ما تعمله فيروسات السارس أو فيروس كورونا (ميرس).
وهذا الفيروس قريب من متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” الذي ظهر أولا في الصين عام 2002 وأصاب ثمانية آلاف شخص على الأقل، وأدى إلى وفاة 800 منهم تقريبا. أو كوفيد-19. أما من تعافوا من الفيروسات السابقة فقد أبلغ العديد من الأشخاص المصابين عن فقدان مفاجئ لحاسة الشم ثم عودة مفاجئة وكاملة لها في غضون أسبوع أو أسبوعين.
في بعض الأحيان يستمر فقدان الرائحة هذا لشهور أو حتى سنوات. ومن المثير للاهتمام أن العديد من هؤلاء الأشخاص قالوا إنهم لم يعانوا من انسداد الأنف، لذلك لا يمكن أن يعزى فقدان الرائحة إلى ذلك.
أجرى الباحثون أشعة مقطعية للأنوف والجيوب الأنفية للأشخاص الذين يعانون من فقدان الرائحة، ليجد الباحثون أن جزء الأنف المسؤول عن إدراك الرائحة أي الذي يشم الرائحة (البصلة الشمية)، محجوب عبر تورم الأنسجة الرخوة والمخاطية، يُعرف هذا باسم “متلازمة تكسر الرائحة”. تبدو بقية العضو وجيبه الطبيعي بشكل طبيعي للغاية ولا يعاني الأشخاص من مشكلة في التنفس من خلال الأنف.
تشير العودة المفاجئة للرائحة التي وصفها المرضى باعتبارها مؤثرة في عدم القدرة على إدراك أن الروائح يمكن أن تتجلى من خلال عمليات الانسداد بعد الإصابة ، لم تعد الجزيئات المتلعقة بها قادرة على الوصول إلى مستقبلات حاسة الشم.
ويقول الباحثون في تقرير نشره يوم الإثنين موقع “ساينس أليرت”: “نحن نعلم أن الطريقة التي يصيب بها الفيروس الجسم عن طريق إرفاق مستقبلات آي سي إي اثنان على سطح الخلايا في مجارينا الهوائية العليا ثم يساعد بروتين يسمى (TMPRSS2) الفيروس على غزو الخلية”.
وبمجرد دخول الفيروس، يمكن للفيروس أن يتكاثر، مما يؤدي إلى الاستجابة الالتهابية للجهاز المناعي، وهذه هي نقطة البداية للخراب والدمار الذي يسببه هذا الفيروس مرة واحدة في الجسم لبعض المرضى. كان يعتقد في البداية أن الفيروس قادر أيضًا على إصابة وتدمير الخلايا العصبية الشمية ، وهي الخلايا التي تنقل الإشارات الناتجة عن ارتباط الجزيئات المرتبطة بالرائحة بمستقبلات موجودة في الأنف ومنطقة الدماغ حيث يتم تفسير هذه الإشارات على أنها “الروائح”.
ومع ذلك ، أظهر العمل الذي قام به فريق دولي مؤخرًا أن مستقبلات آي سي إي اثنان اللازمة لدخول الفيروس إلى الخلايا غير موجودة على سطح الخلايا العصبية الشميّة. في حين تم الكشف عن وجود هذه الخلايا على سطح الخلايا “البطنية” التي توفر الدعم لهذه الخلايا العصبية.
Discussion about this post