ظلت تنظر في المرآة كثيراً، تقترب بوجهها لتتأكد من آخر لمسات المكياج، هل يليق بها؟ هل يبرز جمال لون عينيها؟ هل درجة أحمر الشفاه بهذا اللون الوردي تعطيها مظهرًا أكثر براءة أم أكثر إثارة؟ مع ذلك الرداء الممزوج بقطع الفرو الأسود، والجيب القصير، والحذاء العالي الرقبة أسود اللون، وهذه الحقيبة الملونة، هل ما ترتديه من ملابس متناسق مع بعضه البعض؟.
ولأنها كانت تسعى دائمًا إلى الكمال في كل شيء، كان الامتعاض يعلو وجهها، كان هناك دائمًا شيء خفي ناقص يجعلها تتردد، تقف على أعتاب ذلك الباب. كانت تفكر في الرجوع وتغيير كل شيء، ولكنها نظرت إلى الساعة، فوجدتها تقترب من السادسة مساء وهو تقريبًا نفس الميعاد المحدد بينهما…
الطريق مزدحم بشكل كبير اليوم، يبدو أن ازدحام المرور نهاية الأسبوع مقولة شهيرة وحقيقة، ولكن هو دائماً يأتي في ذلك الموعد دون تأخير. كيف يفعل ذلك بكل سهولة؟.
يوم الخميس يوم محدد منذ فترة طويلة للقاء بيننا، ولكن اليوم مختلف بالنسبة لي!، هو لم يعد يتذكر التواريخ المهمة لنا منذ فترة طويلة. ولكن كيف تمحى ذكرى أول لقاء من ذاكرتي؟ أول نظرة عين لنا، أول لمسة عندما غاصت أناملي بسهولة بكلتا يديه. لم أكن أستطيع أن أنسى نظراته الثابتة وكأنه يحتضن وجهي بعينه. كنت في حالة ارتباك شديد.
كيف سيطر علي مشاعري من نظرة ولمسة عابرة؟ هل هذا هو الحب من أول نظرة؟، رغم كل الشكوك التي تراودها، إلا أنها تحتفظ ببارقة أمل صغيرة بأن الأمور ستتحسن، وأن هذا اللقاء سيكون بداية جديدة، وفجأة اصطدمت بسيارة أمامها لم تنتبه لها وهي شاردة.
ظل صاحب السيارة يصيح ويعلو صوته ويتهم السيدات بالغباء وأنّهن يجب عليهن تعلم القيادة، فابتسمت في وجهه كأنها لم تسمع ذلك الصياح والسباب وقالت جملاً تفيد أنها آسفة على ذلك…لم تكن تتوقع أن اليوم مهم لها وأنها تخشي التأخر على موعدها لهذه الدرجة… لماذا أصرت على الخروج، ولماذا جعلت الموعد في نفس يوم المقابلة الزوجية لهما؟.
كانت ستعد عشاءًا مميزًا ووتشعل بعض الشموع المعطرة وترتدي أكثر الملابس إثارة، وتنتظر ذلك المساء بلهفة وشوق مثل كل موعد لهما لا عتاب لا مشاكل لن تضطر للكلام الممل فهو سريعًا سوف يرحل عنها سوف يترك أحضانها إلى أحضان زوجة ثانية أو الأصح الزوجة الأولى!!!!
تذكرت لحظاتهم السعيدة معًا، وشعرت بشوق شديد إليه. تتمنى لو أن الوقت يعود إلى الوراء، ولكنها تعلم أن ذلك مستحيل.
موعدها المميز كان يخصها وحدها، تنطفئ المشاعر عند غلق الأبواب، ويقل الاهتمام بوجود البدائل المتاحة، وتنتهي العلاقات المقدسة بكلمة واحدة، وتنتهك وتغتصب المشاعر بتكرار المواقف المؤلمة وينتهي كل شيء كأنه لم يكن له وجود…لقد كذب، وهي كانت على علم بخدعته. لم تفعل شيئًا، ولم تدافع عن نفسها.
نظرت إلى عينيه، وحاولت قراءة ما بداخله، لكنها لم تجد سوى الفراغ. شعرت بحزن عميق يعتصر قلبها، وكأنها فقدت جزءًا منها، لم تكن الخدعة متقنة الصنع، رغم ذكائه الشديد. لقد كانت مجرد حيلة للفرار من هذا الزواج والتعدد الذي أثقل كاهله، واللهو وراء النساء الأخريات، والإيقاع بهن في شباكه، زاعمًا حبه واهتمامه ورغبته في الزواج. كان بارعًا في ذلك، وكيف لا وقد وقعت هي في شركه؟.
رغم حرصها الشديد وعدم ثقتها بالرجال، إلا أنها وقعت ضحية لمكره. لم تسمح لأحد بالاقتراب منها من قبل، ولم توثق في أي رجل.
كانت على موعد مع الفراق، اتهامات باطلة وجهت إليها. اتهموها بتسريب خبر زواجها السري منه، ثم جاءت الكلمة القاسية: “أنت طالق”. أشار إليها بسبابته وكأنها كانت مجرد خطأ ارتكبه دون قصد. كيف يزعم ذلك وهو الذي يعتبر زوجته وابنته أغلى ما يملك؟.
هي من خُدعت في الحقيقة، تركت كل شيء من أجل طفل، ولم يف بوعده أو عهده.أشياء كثيرة لم تكن تتوقع أن ترتضيها لنفسها يومًا، وفعلتها باسم الحب. وأصبحت فريسة في شباك الصياد، تعاني من خيبة الأمل والخذلان. سقطت كل آمالها دفعة واحدة أمام عينيها.
غضبت من نفسها على سذاجتها، وكيف سمحت له بأن يلعب بمشاعرها بهذه الطريقة. شعرت بالغدر والخيانة.
تذكرت كل الأكاذيب التي قالها عن استحالة الحياة الزوجية بينه وبين زوجته الأولى، وأنه في حالة طلاق فعلي،ولا توجد بينهما أي علاقة…لا حديث يتم بينهما في هدوء ،أوعلاقة عاطفية أو شرعية حقيقة.
كانت محاولاته للنجاة مجرد أكاذيب، فهو كان يبحث عن مخرج من هذا الزواج. كيف أقنعها بالزواج منه بهذا الشكل المؤقت وكيف تخلص منها كأنها مجرد امرأة ساقطة ليس لها حقوق وواجبات؟.
كانت على وشك الصراخ في وجهه، ولكنها كتمت صوتها ولم تفعل ، وقالت: “كنت طفلي الغالي والأهم، لذلك أجهضت طفلي منك، دون علمك. لم تعرف يومًا بذلك الحمل. لو كنت أريد فرض وجودي عليك، لأصبح جنينًا الآن في الشهر السادس، ولكنني لم أرد إجبارك على شيء. ذهبت دون أن تتفوه بكلمة واحدة.
لم تدافع عن نفسها لأنها شعرت بالذنب. كانت تعلم أن بين النطق والصمت مقبرة عميقة جدًا سقط فيها القلب والعقل والروح وأشياء أخرى.
شعرت بالندم على كل لحظة ضاعت منها بسبب هذا الرجل، وعلى كل الأمل الذي وضعته فيه.”
كانت في صدمة كبيرة، فما حدث كان عكس ما كانت تتمناه. بتجديد حبها لذلك الرجل بنفس معاد اللقاء، تحولت لحظات لقائهما إلى موعدًا مع الفراق.
Discussion about this post